وقد جمع فيه ملاحظات السابقين من العلماء في البلاغة، مضيفاً إليها ملاحظات غير العرب، وكثيراً من ملاحظات معاصريه.
وتحتدم المعركة النقدية بين المحافظين والمجددين في الشعر، فينتج عن هذه الخصومة نشاط بلاغي خصب يؤدي إلى وضع كتاب "البديع" لعبد الله بن المعتز الذي دافع به عن المحافظين، ورد هجمات المتفلسفة الذين يجرون وراء مقاييس البلاغة اليونانية.
ويتجرد قدامة بن جعفر، ويصنف كتابه "نقد الشعر" تحدياً لابن المعتز وغيره ممن يتبعون أثره في الرد على المتفلسفة.
ويكثر المتكلمون من مباحثهم حول إعجاز القرآن الكريم، من حيث بلاغته وبيانه، فتكتمل بذلك أولى مراحل البحث في البلاغة، وهي مرحلة: النشأة والنمو.
(٣)
ويأتي القرن الرابع الهجري، وتكون البلاغة العربية قد نمت نمواً جعل النقاد من الأدباء يأخذون في تطبيقها على النصوص الأدبية، ويأخذ النقد الأدبي دوره من خلال البلاغة العربية الأصيلة، فتؤتي ثمارها، وتطبق تطبيقاً عملياً في كل من "عيار الشعر"، لابن طباطبا المتوفى سنة ٣٢٢ هـ و"الموازنة بين أبي تمام والبحتري" للآمدي، المتوفى سنة ٣٧١ هـ و"الوساطة بين المتنبي وخصومه" لعلي بن عبد العزيز الجرجاني المتوفى سنة ٣٩٢ هـ.
ولكن فريقاً آخر من الأدباء والشعراء يتجردون للبحث في البلاغة، مهيئين بذلك لانفصال البلاغة عن النقد الأدبي، ويتجهون بها وجهة علمية بحتة. وإن كانوا قد اتفقوا على الإكثار من التمثيل بتراث هائل من الشعر العربي الجاهلي والإسلامي، ومن الأحاديث النبوية الشريفة،