فتنكير المسند إليه في تلك الأبيات للتعظيم - كما ترى -.
وقد يمنع من التعريف مانع فينكر المسند إليه؛ وذلك كما في قول الشاعر:
إذا سئمت مهنده يمين ... لطول العهد بدله شمالا
فقد نكر اليمين، لأنه لو قال (يمينه) لأسند السآمة - صراحة - إلى يمين ممدوحه، وذلك مما ينافي غرض المدح، وهذا اعتبار لطيف.
وقد لا يمنع من التعريف مانع، ولكنه قد يوقف الشاعر عن مواصلة غرضه من وصف المسند إليه، بما شاء من الأوصاف، ولهذا فإنه يجيء به منكراً:
استمع إلى قول الشاعر:
تناس طلاب العامرية إذا نات ... يا سجح مر قال الضحى قلى الضفر
إذا ما أحسته الأفاعي تحيزت ... شواة الأفاعي من مثلمة سمر
تجوب له الظلماء عين؛ كأنها ... زجاجة شرب غير ملآى ولا صفر
الأسجج من الإبل: الرقيق المشفر، ومر قال الضحى، أي مسرع السير فيه وهو وقت الحر. والضفر: الحزام، وقلقه من الضمور، وتحورت الحية: تقلبت. والشواة: الجلود. والمثلمة السمر: الأخفاف، وثلمها يكون من السير على الحجارة، أي: إذا مشى ليلاً والأفاعي خارجة من جحورها وأحست به انقبضت جلودها عن طريقه خوفاً من أخفافها.
يريد الشاعر أن جمله يهتدي بنور عينيه في ظلمات الليل، ويمكنه بها أن يخرق حجاب الظلمات ويمضي فيها.