للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولهذا فإنك تجد السكاكي يتقدم الركب المتأخرين في محاولة بيان أسرار العناية بتقديم المسند إليه ولكنهم قلما وجدوا شيئاً لم يذكره عبد القاهر.

فقد ذكروا من أسباب تقديم المسند إليه أسباباً ليست كافية - في رأينا - لبيان أسرار تقديم المسند إليه.

وذلك لأن منها ما لا صلة له ببلاغة التركيب، لدلالة الكلام فيه على أصل المعنى، كهذا الذي يقولون عنه، إن تقديمه هو الأصل، ولا مقتضى للعدول عن ذلك الأصل، ومنها: ما تكفلت بذكرها أسباب أخرى لذكر المسند إليه، أو لتعريفه، كتعجيل المسرة للتفاؤل، أو المساءة للتطير، وكإيهام أنه لا يغيب عن الخاطر لأنه يستلذ، أو يتبرك به.

والأهم من هذا كله - في هذا الباب - هو الحديث عن تقديم المسند إليه على الخبر الفعلي:

وقد توضح عبد القاهر أن تقديم المسند إليه على الخبر الفعلي مفيد لأمرين:

أولهما: تقوية الحكم وتقريره في ذهن السامع كما هو مقرر في ذهن المتكلم.

وثانيهما: تخصيص الفعل بالمسند إليه.

وإنما كان تقديم المسند إليه على الخبر الفعلي مفيداً لتقوية الحكم، لأن مثل هذا التركيب يتكرر فيه الإسناد، لأن المبتدأ - كما هو معروف - يطلب الخبر، فإذا جاء الفعل بعده صرفه إلى نفسه، فثبت له، فإذا كان الفعل متضمناً لضميره، صرفه ذلك الضمير إليه ثانياً، فثبت له مرة أخرى، وبذلك يتكرر الإسناد، فيكتسي الحكم قوة.

فقولك: "محمد يعطي الجزيل" مفيد لتقوي الحكم، لأن الفعل فيه قد

<<  <   >  >>