للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أسند مرتين: مرة إلى المسند إليه الظاهر - وهو: محمد - ومرة أخرى إلى ضميره المستتر في الفعل، فكأنك قلت: يعطي محمد الجزيل، يعطي محمد الجزيل، ويتكرر الإسناد بتقوى الحكم ويتقرر في ذهن السامع.

هذا ما عليه المتأخرون من البلاغيين، يتقدم ركبهم السكاكي (١) - كما أسلفنا -.

وهي علة نحوية - كما نرى - ولا غبار عليها.

ولكن عبد القاهر الجرجاني - وهو إمام من أئمة النحو، كما هو إمام البلاغة بلا منازع - لم يذكر هذه العلة - وإن كانت نصب عينيه - ولكنه قد ذكر علة ذوقية أدبية، هي أحرى بالنظر إليها، والاهتمام بتذوقها، لأنها تعتمد رقة الإحساس، وسلامة الذوق، وذكاء البصر بمعرفة أنماط الأساليب في النص الأدبي، معياراً أمثل لبيان أسرار بلاغة التراكيب والعلة الذي ذكرها عبد القاهر سبباً لتقوي الحكم في تقديم المسند إليه على الخبر الفعلي هي: أنك إذا ذكرت المسند إليه - هكذا - عارياً من العوامل، تنبه السامع إليه، وتطلع لما سوف تسنده إليه، لأنك لا تذكر الاسم هكذا، إلا إذا كنت قد نويت إسناد شيء إليه. فإذا أسندت الخبر إليه، قبله السامع قبول المتهيئ لسماعه، فاطمأنت نفسه. وتمكن قلبه وعقله فضل تمكن.

يقول عبد القاهر: "فإن قلت: فمن أين وجب أن يكون تقديم ذكر المحدث عنه بالفعل آكد لإثبات ذلك الفعل له؟ وأن يكون (هما يلبسان المجد) في جعلهما يلبسانه من أن يقال: (يلبسان المجد)؟ فإن ذلك من


(١) مفتاح العلوم، ص ١٠٦، والإيضاح، ص ٣٥، وشروح التلخيص، ج ١، ص ٤٠١.

<<  <   >  >>