للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أجل إنه لا يؤتى بالاسم معرى من العوامل إلا لحديث قد نوى إسناده إليه، وإذا كان كذلك فإذا قلت: عبد الله، فقد أشعرت قلبه بذلك، أنك قد أردت الحديث عنه، فإذا جئت بالحديث فقلت، مثلاً -: قام، أو قلت: خرج أو قلت: قدم، فقد علم ما حثت به، وقد وطأت له وقدمت الإعلام فيه، فدخل على القلب دخول المأنوس به، وقبله قبول المتهيئ له المطمئن إليه، وذلك - لا محالة - أشد لثبوته، وأنفى الشبهة، وأمنع الشك، وأدخل في التحقيق (١).

وجملة الأمر: أنه ليس إعلامك الشيء بغتة غفلاً، مثل إعلامك له بعد التنبيه عليه والتقدمة له، لأن ذلك يجري مجرى تكرير الإعلام في التأكيد والأحكام".

ولم ينس عبد القاهر أن ينبه إلى أن الذي نبهه إلى تلك العلة الذوقية، هو سيبويه - في الكتاب - فقال: وهذا الذي قد ذكرت من أن تقديم ذكر المحدث عنه يفيد التنبيه له، قد ذكره صاحب الكتاب في المفعول إذا قدم فرفع بالابتداء، وبنى الفعل الذي كان ناصباً له عليه، وعدى إلى ضميره فشغل به، كقولنا: في "ضربت عبد الله": عبد الله ضربته، وإنما قلت: عبد الله، فنبهته له، ثم بنيت عليه الفعل، ورفعته بالابتداء (٢).

وقد كانت هذه العلة النقدية الأدبية بين يدي السكاكي - وهو يختصر ما قاله عبد القاهر في هذا الموضوع - في دلائل الإعجاز - ولكنه أعرض صفحاً عنها، وتعلق بتلك العلة النحوية - كما رأيت -، لأنه كان ينظر إلى البلاغة بمنظار العقل والمتعقل، بينما كان الإمام عبد القاهر ينظر إليها بمنظار الذوق البلاغي السليم، والحس الأدبي المرهف.


(١) دلائل الإعجاز، ص ٨٨.
(٢) نفس المصدر.

<<  <   >  >>