وقد ذكر عبد القاهر: أنه مما يؤيد القول بأن هذا الأسلوب - أعنى تقديم المسند إليه على الخبر الفعلي - مفيد لتقوية الحكم: إننا إذا تأملنا، وجدنا هذا الضرب من القول، يجيء في كل مقام يحتاج إلى تأكيد الخبر وتقويته، ومنه:
(أ) ما سبق فيه إنكار منكر، كأن يقول الرجل: ليس لي علم بالذي تقول، فتقول له: أنت تعلم أن الأمر على ما أقول، ولكنك تميل إلى خصمي. وكقول الناس. (هو يعلم ذاك وإن أنكر) و (هو يعلم الكذب فيما قال وإن حلف عليه).
وكقوله تعالى:"ويَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الكَذِبَ وهُمْ يَعْلَمُونَ" وذلك لأن الكاذب - ولاسيما في الدين - لا يعترف بأنه كاذب.
(ب) ما اعترض فيه شك، كأن يقول الرجل: كأنك لا تعلم ما صنع فلان ولم يبلغك، فتقول:(أنا أعلم ولكني أداريه).
(ج) في تكذيب مدع، كما في قوله تعالى:"وإذَا جَاءُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وقَد دَّخَلُوا بِالْكُفْرِ وهُمْ قَدْ خَرَجُوا بِهِ".
وذلك لأن قولهم: آمنا، دعوى منهم بأنهم لم يخرجوا بالكفر كما دخلوا به، فالمقام مقام تكذيب.
(د) فيما القياس في مثله ألا يكون، كما في قوله تعالى:"واتَّخَذُوا مِن دُونِهِ آلِهَةً لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وهُمْ يُخْلَقُونَ"، وذلك لأن عبادتهم لها تقتضي ألا تكون مخلوقة.
(هـ) فيما يستغرب من الأمر. وذلك كأن تقول (ألا تعجب من فلان يدعى العظيم، وهو يعيا باليسير؟ ! يزعم أنه شجاع وهو يفزع من أدنى شيء)؟ !