للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

في الحضر وسلم بعد ركعتين، فقام ذو اليدين وقال: أقصرت الصلاة أم نسيت يا رسول الله؟ فقال صلى الله عليه وسلم: "كل ذلك لم يكن" فقال ذو اليدين بعض ذلك قد كان".

فقول النبي صلى الله عليه وسلم: "كل ذلك لم يكن" أفاد عموم النفي، لأن لفظ كل قد خرج عن حيز النفي، فالمعنى: لم يكن شيء منهما: لا القصر ولا النسيان، ولو قال: لم يكن كل ذلك لكان المعنى أنه قد كان بعضه.

على أن لفظ (كل) قد يقع قبل النفي، ولكنه معمول الفعل الواقع بعد النفي وذلك كأن تقول: (كل الدراهم لم أنفق، وكل الشعر لم أحفظ) بنصب كل، لأنه مفعول به للفعل بعده، فلا يتعدى نفس المعنى الذي يفيده قولك: لم أنفق كل الدراهم، ولم أحفظ كل الشعر.

أما إذا رفعت كلا وأخرجتها عن حيز الفعل بعدها، أفاد التركيب عموم النفي.

ولهذا جاء قول أبي النجم العجلي:

قد أصبحت أم الخيار تدعي ... على ذنبا كله لم أصنع

برفع كل، لأنه أراد أن يبرئ نفسه من كل ما ادعته عليه، ولو نصب لكانت كل داخلة في حيز النفي، وأفادت نفي العموم.

ومن شواهد التركيب الثاني - وهو ما يفيد نفي العموم -: قول أبي الطيب المتنبي يمدح كافوراً الإخشيدي من قصيدة أولها:

بم التعلل؟ لا أهل ولا وطن ... ولا نديم، ولا كاس، ولا سكن! !

أريد من زمني ذا أن يبلغني ... ما ليس يبلغه من نفسه الزمن! !

<<  <   >  >>