للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فإذا كان اسم إشارة فإن أغراضه قد سبق ذكر أغلبها ضمن أغراض تعريف المسند إليه باسم الإشارة.

ومن هذه الأغراض: كمال العناية بتمييز المسند إليه لاختصاصه بأمر عجيب:

ومن ذلك قول ابن الراوندي:

كم عاقل عاقل أعبث مذاهبه ... وجاهل جاهل تلقاه مرزوقا

هذا الذي ترك الأوهام حائرة ... وصير العالم التحرير زنديقاً

والشاهد في البيتين قوله: (هذا الذي) فقد عبر عن المسند إليه باسم الإشارة، وكان ظاهر الحال يقتضي أن يعبر عنه بالضمير، فيقال: (هما) وذلك لتقدم مرجعه، وهو ما أفاده البيت الأول، من حرمان العاقل، وإعطاء الجاهل، ولكنه عدل عن الضمير إلى اسم الإشارة - كما رأيت - لكمال العناية بتمييزه، لاختصاصه بحكم بديع، وذلك لأن هذا الأمر لما كان قد خرج عن المألوف المتعارف، اختص بحكم بديع، وهو، ترك العقول حائرة، وجعل العالم الذكي مزعزع الإيمان ملحداً، ولهذا كان جديراً بأن يميز أكمل تمييز، ليشار إليه، ويسند إليه هذا الحكم.

ومن هذه الأغراض: التهكم بالسامع: كأن يسأل بصير عن شيء، فيجيبه آخر مشيراً إلى شيء.

ومنها: التنبيه على كمال بلادة السامع، وأنه لا يدرك غير المحس بحاسة البصر، أو على كمال فطنته، وأن غير المحس عنده بمثابة المحس.

ومنها: ادعاء كمال ظهور المسند إليه حتى إن العقول قد صار في درجة المحسوس بالبصر.

<<  <   >  >>