للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عن إسحق الموصلي أنه قال: قال الأصمعي: أتعرف التفاتات جرير؟ قلت: وما هي؟ فأنشدني:

أتنسى إذ تودعنا سليمي يعود بشامة؟ سقى البشام!

ثم قال: أما تراه مقبلاً على شعره، إذ التفت إلى البشام فدعاله؟

وأدرك أبو عبيدة معمر بن المثنى المتوفى ٢٠٨ هـ الالتفات، ولكنه لم يسمه إذ قال في مقدمة كتابه "مجاز القرآن": ومن مجاز ما جاءت مخاطبته مخاطبة الشاهد ثم تركت وحولت مخاطبته هذه إلى مخاطبة الغائب قول الله تعالى: {حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ} أي بكم، ومن مجاز ما جاء خبراً عن غائب ثم خوطب الشاهد، قول الله تعالى: {ثُمَّ ذَهَبَ إِلَى أَهْلِهِ يَتَمَطَّى أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى}.

وتبعه المبرد المتوفي ٢٨٥ هـ إذ يقول تعليقاً على قول الأعشى:

وامتعني على العشا بوليدة فأبت بخير منك باهوذ حامداً

فإنه كان يتحدث عنه ثم أقبل عليه يخاطبه، وترك تلك المخاطبة والعرب تترك مخاطبة الغائب إلى مخاطبة الشاهد، ومخاطبة الشاهد إلى مخاطبة الغائب وساق لذلك أمثلة من القرآن ومن الشعر، ثم قال: وهذا كثير جداً.

ولكن أول من عرف الالتفات تعريفاً يكاد يقرب من تعريف المتأخرين هو: عبد الله بن المعتز المتوفي ٢٧٤ هـ فقد قال في تعريفه: "هو انصراف المتكلم عن المخاطبة إلى الإخبار، وعن الإخبار إلى المخاطبة، وما يشبه ذلك، ومن الالتفات: الانصراف عن معنى يكون فيه إلى معنى آخر".

ولكنه قد وسع دائرة الالتفات - كما ترى - فجعله شاملاً لشيئين:

الأول: ما عرف بالالتفات عن المتأخرين. والثاني: نوع من الاعراض كالذي سماه الأصمعي: التفاتات جرير - وقد أسلفناه لك.

(٢١ - النظم البلاغي)

<<  <   >  >>