للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

موقف الوداع موقفاً منك، والداعي إلى هذا القلب إنما هو: صحة اللفظ، لأنه لا يصح الاخبار بالمعرفة عن النكرة.

والثاني: ما يكون الداعي إليه من جهة المعنى، لتوقف صحته عليه، ويكون اللفظ تابعاً، وذلك نحو قولهم: "عرضت الناقة على الحوض، والمعنى: عرضت الحوض على الناقة، وذلك لأن المعروض عليه ههنا ليس له إدراك يميل به إلى المعروض، أو يرغب عنه، لأنه يشترط في المعروض عليه أن يكون ذا شعور واختيار، لكي يقبل على المعروض، أو يعرض عنه.

والسر في هذا القلب: أن الحوض لما كان ثابتاً لا يمكن نقله إلى الناقة لعرضه عليها، وكان العربي يأتي بالناقة إلى الحوض لترتوي منه، صارت الناقة كأنها معروضة على الحوض، فصارت الناقة معروضة، والحوض معروضاً عليه، فقلب الكلام لهذا المعنى.

وأنت تحس من هذا التعبير أنه ينقل لك صورة صادقة لحياة العربي، الذي يأتي بناقته إلى الحوض لترتوي منه، ولو قال: عرضت الحوض على الناقة، لخلا تعبيره، من صدق التجربة وحقيقة المعاناة.

قيمته البلاغية:

للبلاغيين في القلب آراء ثلاثة:

الرأي الأول: القبول - مطلقاً - سواء تضمن اعتباراً لطيفاً، أم لم يتضمن اعتباراً لطيفاً، لأن قلب الكلام يدعو إن التنبيه إلى الأصل، وذلك مما يورث الكلام ملاحة وظرفاً.

وهذا الرأي هو رأي السكاكي ومن تبعه.

والرأي الثاني: رفضه - مطلقاً - لأن القلب عكس المطلوب،

<<  <   >  >>