للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

القلب، وإنما المراد: كيف تكون المنية غير العشق؟ أي: أن الأمر للتفرد في النفوس أنه أعلى مراتب الشدة هو الموت، وإني لما ذهب العشق فعرفت شدته، عجبت كيف يكون هذا الأمر الصعب المتفق على شدته غير العشق؟ ! وكيف يجوز ألا تعم علنه فتستولي على الناس حتى تكون مناياهم منه، وهلاك جميعهم منه؟

ولعل هذا الرأي الأخير هو أعدل الرأيين، وأجدرهما بالاعتبار. وأحقهما بالقبول، فما أرى أصحاب الرأي الأول إلا قد أزروا بشاعرية أبي الطيب وقالوا من موهبته - وإن كانوا يحاولون الدفاع عنه:

ذلك لأننا قد عرفنا من قبل آراء البلاغيين في القلب واستقرارهم على أنه إن تضمن اعتباراً لطيفاً فإنه يكون مقبولاً. وإن لم يتضمن هذا الاعتبار فإنه يكون مرفوضاً، وحمل بيت أبي الطيب على القلب لا يجعله متضمناً أي اعتبار لطيف، إذ لو كان قد أراد: كيف لا يموت من يعشق، فأي فائدة من قلبه إلى: كيف يموت من لا يعشق؟ ! ، فعلى قولهم: يكون بيت أبي الطيب مردوداً مرفوضاً، لأن العدول عن مقتضى الظاهر من غير؟ ؟ ؟ ص ٣٥٢ تقتضيه خروج عن تطبيق الكلام لمقتضى الحال، (١)، وخصوصاً: ما يتضمن من الكلام ما يوهم عكس المقصود "فيكون أدخل في الرد (٢) - كما في بيت أبي الطيب على رأيهم -!

ولا يشفع لأصحاب هذا الرأي: إيرادهم أبياتاً للأعمى، والأخطل، والشماخ، وغيرهم، قد تضمن كل بيت منها قلباً، لأنه لم يتضمن اعتباراً لطيفاً في أي بيت منها، فأي اعتبار لطيف في القلب من قول الأعشى


(١) المطول ١٣٨.
(٢) نفس المصدر.

<<  <   >  >>