للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

"وارى الشعار الأديم" إلى قوله: "وارى الأديم الشعار" ومن قول الأخطل: "إن بلغت سوءاتهم هجر" إلى قوله: إن بلغت هجر سوءاتهم" ومن قول الشماخ: كما عصب العود بالعلياء" إلى قوله: "كما عصب العلياء بالعود" ومن قول آخر: "أسلم رهق وحشية إلى قوله: "أسلم وحشية رهقا" ومن قول الآخر: "كان الرجم فريضة الزنا، إلى قوله: "كان الزنا فريضة الرجم"؟ !

كما أنه لا يشفع لهم قولهم، أنه كثير في شعر العرب، لأننا - وإن سلفنا بكثرته في شعر العرب - لا نسلم بأن كل قلب جاء في شعرهم يكون مقبولاً؛ فالبلاغيون لا يقبلون منه إلا ما تضمن اعتباراً لطيفاً - كما أسلفنا - وحتى الأبيات التي استشهدوا بها، لم يتضمن أي قلب منها اعتباراً لطيفاً، ولم يأتوا بشاهد واحد يتضمن ذلك الاعتبار.

ولم لا يكون المعنى: إنني كنت أعذل أهل العشق جهلاً به، وبقيمته في جعل الحياة جميلة؛ لأنني لم أكن قد ذقت حلاوته، فلما ذقتها عرفت أنه لا قيمة لحياة إنسان يعيش بدون عشق، حتى عجبت لمن تنقضي حياته ويموت دون أن يعشق!

وربما يرشح لهذا المعنى: التعبير بقوله: "ذقته" وعليه فلا يكون في بيت أبي الطيب قلب.

والمهم: أن القاضي الجرجاني قد أورد رأي من يخالفونهم، والذين يقولون بأن الكلام جار على طريقته وغير محتاج إلى القلب، فكأنه بذلك يوافق هؤلاء وأولائك على ما يقولون!

وكان حريا به أن يناقش أولئك القائلين يحمل بيت أبي الطيب على القلب، لأنه لا فائدة من حمله عليه كما قلنا - ولأنهم أوردوا شواهد القلب لم يتضمن أي بيت منها أي اعتبار لطيف.

(٢٣ - النظم البلاغي)

<<  <   >  >>