للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عندي كذلك؛ لأن قطرياً زعم أن إقدامه وبصيرته بصيرة جذع، والقارح أتم سنا من الجذع، وهؤلاء زعموا أن إقدامهم إقدام غر وتجاربهم تجارب كهل محنك، فهو ضد المعنى؛ اللهم إلا أن يقل، إنه قلبه، فلا يبعد ذلك عن الصواب (١).

هكذا يعتبر القاضي الجرجاني قول قطري: "جذع البصيرة. قارح الإقدام، من باب القلب، فكأنه قال: (قارح البصيرة، جذع الإقدام) دون أن يتضمن هذا القلب اعتباراً لطيفاً؛ فلا فائدة من هذا القلب؛ إلا أن يقال - كما قال السكاكي -: "إنه مما يورث الكلام حسناً وملاحة" ويشجع عليه كمال البلاغة، وأمن الالتباس (٢) ".

وهكذا يفتح القاضي الجرجاني البلاغيين باب الخلاف في معنى هذا البيت:

فالخطيب القزويني يورد رأي القاضي الجرجاني - وإن لم يسمه - ويذكر أن المعنى على القلب: قارح البصيرة، جذع الإقدام، على أنه خالي من الضمير في "انصرفت" ولم أصب، بمعنى: لم أجرح.

وذلك لأن الجذوعة، حداثة السن، والقروح: قدمه وتناهيه، فالمناسب وصف الرأي والبصيرة بالقروح، ووصف الإقدام والاقتحام في المعارك بالجذوعة، كما يقال: إقدام غرور، أي مجرب، فليس في هذا القلب اعتبار لطيف، بل إبهام لعكس المقصود.

ويجيب الخطيب القزويني (٣)، على هذا الرأي، بأنه ليس من باب القلب،


(١) الوساطة ٢٥٧، ٢٥٨.
(٢) المطول ١٣٨.
(٣) الإيضاح ٦٠.

<<  <   >  >>