للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فالشاعر يشكو ما يعانيه هو وجمله: قيار من ألم الغربة بالمدينة، فقد حن في نفسه، وآلمه أن يرى نفسه غريب الدار، بعيد المزار، غائباً عن الأهل والوطن، في الوقت الذي يرى فيه غيره - من أهل المدينة - ينعم باجتماع شمله بأهله ووطنه، ولهذا فإنه يستشعر الصبر ويأخذ قياراً به - أيضاً - لأن ما يلقاه الأحياء، إنما هو قضاء الله وقدره، والناس يفزعون من النوائب قبل حلولها، وإذا وطنوا أنفسهم عليها لم يجدوا لها ذلك الخوف والفزع، ولا خير في الظن وإنما هو اليقين والحزم، وغفران زلة الصديق مما يستسقيه ويحفظه.

ويبدو أن الأبيات من قصيدة طويلة يعاقب فيها صديقاً من أهل المدينة لم يزره في حبسه. ولكن لم يعثر منها إلا على هذه الأبيات، لأنك تجد أولى هذه الأبيات معطوفاً على ما قبلها من أبيات أخرى.

ولئن كان محقق النص لم يأت في أولى بيت منها بحرف الغطف فإن هذا البيت لا يصلح بدونه إذ ينكسر وزنه. لأن القصيدة من بحر الطويل الذي أول تفصيلة منه (فعولن).

ولأن البيت الأخير دليل على أنه يعاتب صديقاً.

والشاهد في الأبيات قوله: (فإني وقيار بها لغريب) فلفظ البيت خبر، ولكن معناه التحسر على الغربة والتوجع من الكربة، وقد حذف فيه المسند إلى "قيار"، وكان أصل الكلام أن يقول: فإني لغريب بها وقيار غريب، ولكنه حذف المسند في الجملة الثانية، لأن ذكره في العبارة بعد دلالة القرينة عليه عبث واضح، ولأن نفسه تؤثر الإيجاز لما هي فيه من ضيق وحزن وضجر والسر في تقديم (قيار) على خير إن - كما يقول العلامة سعد الدين التفتازاني - قصد التسوية بينه وبين جمله في التحسر على الغتراب، وكأنه أثر في غير ذي العقل أيضاً.

<<  <   >  >>