للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومن حذف المسند قول الله تعالي: "أفمن زين له سوء عمله فرآه حسناً؟ " أي: كمن لم يزين له سوء عمله؟ والمعني: أفمن زين له سوء عمله من الفريقين اللذين تقدم ذكرهما كمن لم يزين له سوء عمله؟ فكأن النبي صلى الله عليه وسلم لما قيل له ذلك قال: لا فقيل: "إن الله يضل من يشاء ويهدي من يشاء، فلا تذهب نفسك عليهم حسرات" أو المعني: أفمن زين له سوء عمله كمن هداه الله؟ فحذف لدلالة "فإن الله يضل من يشاء ويهدي من يشاء".

وقيل: المعني: أفمن زين له سوء عمله ذهبت نفسك عليهم حسرات؟ فحذف لدلالة "فلا تذهب نفسك عليهم حسرات".

ومعنى تزين العمل والإضلال واحد، وهو أن يكون العاصي على صفة يستوجب بها خذلان الله تعلى، فيهم في الضلال، ويعتنق الهوى، فيرى القبيح حسناً والحسن قبيحاً كأنما غلب على عقله وسلب تمييزه، ويندرج تحت قول أبى نواس:

أسقن حتى تراني ... حسناً عندي القبيح

وإذا خذل الله الممعنين في الضلال فإن على الرسول أن لا يعبأ بهم، ولا يلقى بالاً لهم، ولا يحزن ولا يتحسر عليهم، لأن الله تعالي خذلهم وتخلى عنهم (١).

وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم حزيناً على أولئك الذين أمعنوا في الضلال والكفر والعصيان من قومه، والله سبحانه وتعالي ينهاه من أن يحزن وتذهب نفسه عليهم حسرات، كان أسلوب الإيجاز في هذا المقام مما يقتضيه الحال.

ومما هو محتمل لحذف المسند إليه: قول الله تعالي: "بل سولت لكم


(١) ... الكشاف ٢/ ٣٠١.

<<  <   >  >>