قاربه من لا يسير مشمرا ... وغني به من لا يغني مغرداً
أجزني إذا أنشدت شعرا فإنما ... بشعري أتاك المادحون مرددا
ودع كل صوت غير صوتي فإنني ... أنا الصائح المحكي والآخر الصدى
يقول إن الدهر يروي قصائدي، فينشط لسماعها من كان كسولا، ويطرب لسماعها من لم يكن مغنيا، فإذا أنشدك شاعر - في مديحك - شعراً فأعطني، فإن الذي أنشدته شعري يردده المادحون فلا تلتفت إلى شعر غيري، فإنه ليس بشيء
والشاهد هنا قوله:(أنا الصائح المحكي) حيث قصر المسند المعرف "بأل" علي المسند إليه لقصد المبالغة.
ومنه قول مزرد بن ضرار:
فقد علمت فتيان ذبيان أتي ... أنا الفارس الحامي الذمار المقاتل
أي أنه لا فارس سواء، لأن غيره من الفرسان لا يعتد بهم.
وقد يكون الغرض هو قصر المسند علي المسند إليه حقيقة، وذلك كقولك: علي الشاعر، إذا لم يكن ثمة شاعر سواء، ومثل هذا القول يمكن أن يقال في الأمثلة التي أسلفناها.
وقد يفيد المعنى المقصود بقيد يخصصه، ويجعله في حكم نوع برأسه، كأن يقيد بوقت أو حال، وذلك مثل أن تقول:(هو الوفي حين لا تظن نفس بنفس خيراً) فأنت هنا لا تقصر الوفاء مطلقاً علي من تتحدث عنه، ولكنك تقصر جنسا معينا من الوفاء، وهو الذي يأتي في وقت ينعدم فيه الوفاء.