للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

البلاغي، جميعها قد تعاونت في سبيل إصدار حكم نقدي شامل مستوعب على أشعار كل من: أبي تمام، والبحتري، والمتنبي، مما يؤكد رأينا الذي نقول به، وهو أن النقد الأدبي شامل للنقد بجميع أقسامه، ومنها: النقد البلاغي. ومن ثم فإنه لا ينبغي أن تفصل البلاغة عن النقد الأدبي.

وإذا ما أردنا تحديد الأسباب التي أدت إلى انفصال البلاغة عن النقد. أو بمعنى آخر: توضيح الاتجاهات التي أدت إلى تمييز علوم البلاغة عن النقد الأدبي، وانكماشها عن أن تسير به نحو رعاية النصوص الأدبية وتهذيبها وتزيينها بحلل من جمال المعنى وحسن اللفظ وقوة الأسلوب ووضوحه، وجدنا هذه الأسباب كامنة في تأثر المتكلمين من المعتزلة بالفلسفة، فقد تسلحوا بها للرد على خصومهم وإثبات حججهم، وإقامة براهينهم على دعائم من البلاغة والفلسفة والدين.

فلقد ظل البيان العربي منذ تأسيسه على يد أبي عثمان عمرو بن بحر الجاحظ عربياً خالصاً، ينهل من معين الثقافة العربية الأصيلة، إلى أن اتصل علماء البلاغة من متكلمي المعتزلة بالفلسفة، فأخذوا منها بطرف، ولكنهم ظلوا محافظين إزاءها حفاظاً جعل البلاغة العربية تظل نقية من شوائب الفلسفة، حتى إذا ما أخذت تقترب منها شيئاً فشيئاً، وصار البيان العربي أقرب إلى الفلسفة منه إلى الأدب، بدأ الانفصال يبدو شيئاً فشيئاً، حتى وضع بذوره عبد القاهر الجرجاني بطريقته التقريرية - كما يرى الدكتور طه حسين في مقدمة "نقد النثر"، إذ يقول: "ولقد أنشأ متكلمو المعتزلة - هذا البيان - إذا صح التعبير - وتعهدوه، وقلما كان يفلت من بين أيديهم، وقد بقي أقرب إلى الأدب منه إلى الفلسفة ما بقي أولئك المتكلمون يدرسون الأدب العربي وينهلون من موارده العذبة ولما أصبحوا أكثر اشتغالاً بالفلسفة منهم بالأدب أصبح بيانهم أقرب إلى الفلسفة منه إلى الأدب.

ولذلك لم يكن عبد القاهر الجرجاني عندما وضع في القرن الخامس

<<  <   >  >>