للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كتاب "أسرار البلاغة" المعتبر غرة كتب البيان العربي إلا فيلسوفاً .. وإننا لنجد في كتابه المذكور جراثيم "الطريقة التقريرية التي أودت بالبيان العربي في القرن السادس" (١).

والواقع أن إمعان البلاغيين في تتبع آثار الفلسفة في تآليفهم وأساليبهم هو الذي جعلهم يتجهون بالبلاغة اتجاهات لا صلة بينها وبين البلاغة على الإطلاق؛ وصحيح أن عبد القاهر لم يكن يضارع في طريقة تناوله النصوص ص ٥٤ الأدبية وتحليلها تحليلاً نقدياً بلاغياً موغلاً في التغلغل في أعماق النفس الإنسانية لاستخراج ما في النصوص من أسرار الجمال، ولطائف الروعة والبهاء؛ ولكن من تتبعوه، وحاولوا فهم طريقته وأسلوبه في استجلاء خفايا الإعجاز، واكتشاف أسرار الأساليب وما بها من جمال، لم يكن لديهم القدرة على ذلك إذ كانت تنقصهم الأساليب الأدبية الجميلة، والذوق البلاغي، والحس المرهف، والأذن الشاعرة؛ فجاءوا إلى كتابيه ص ٥٤: وكل ما لديهم من زاد ومعرفة شيئان ص ٥٤ هما: الفلسفة والمنطق؛ فتناولوا البلاغة بهما؛ وما أبعد البلاغة العربية الأصيلة عن متاهات الفلسفة وترهات المنطق!

وكان ما كان مما أدى بالبلاغة العربية إلى الجمود والتعقيد والتعمية والألغاز التي نراها متمثلة في الجزء الثالث من كتاب "المفتاح" للسكاكي؛ فلم يتقدم البيان العربي بعد عبد القاهر تقدماً ما؛ بل أخذ على العكس من ذلك في التأخر والانحطاط.

ومنذ القرن السابع الهجري جعل يفقد كل صفة أدبية له، ويصبح فريسة للشراح والمقررين الذي اضطلعوا بالجدل فيما ليس بشيء وكادوا يجهلون الأدب العربي جهلاً تاماً (٢).


(١) ... نقد النثر صـ ١٦.
(٢) ... نقد النثر صـ ٣٠.

<<  <   >  >>