للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

غير أن جراثيم الطريقة التقريرية "لم تقف عند حد البلاغة لتفسدها؛ وإنما سبقتها إلى النقد الأدبي بصفة عامة على يدي أبي هلالي العسكري في كتابه "سر الصناعتين"؛ فقد أخذت فلسفة اليونان تتغلغل شيئاً فشيئًا في البيئات الأدبية ذاتها؛ كما أخذ الأدب يتطور نحو الصنعة البديعية؛ فوجد مجال واسع لدراسة تلك الأوجه الجديدة والمحسنات المبتكرة؛ وقد عززت تلك الدراسات بفساد الذوق وفقره؛ وإذا بالنقد ينصرف عن النظر في الموازنة بين الشعراء، والوساطة بينهم وبين خصومهم إلى تقسيم أوجه البديع، وشرح الطرق البلاغية؛ وكان عبد العزيز الجرجاني آخر النقاد، والباب الذي يسلمنا ص ٥٥ إلى البلاغيين.

وأخيراً ظهر أبو هلال العسكري. وكان هذا الكتاب (الصناعتين) - فيما نرى - نقطة تحول النقد إلى بلاغة (١).

ولقد كان أبو الهلال بعثاً لقدامة - في منهجه ص ٥٥ التقريري - فاستطاع - بما له من دراية بالأدب العربي؛ شعره ونثره - أن يفصل آراء قدامة ويضيف إليها أمثلة جديدة، وأن يضيف إلى تقاسيمه الفلسفية تقاسيم أخرى.

وهذه التقاسيم قد لا تكون ضارة في حد ذاتها؛ ولكن الملاحظ أنها لم تلبث أن جففت ينابيع الأدب وخرجت به إلى الصنعة المقيتة إذ أخذ الأدباء والشعراء يستخدمون تلك الأوجه ليحلوا بها أسلوبهم، وكانت النتيجة أن ضاع من الأدب كل إحساس أو فكر، أو فن صحيح، وغلبت اللفظية والتكلف حتى أماتت الأدب (٢).


(١) ... النقد المنهجي عند العرب د. محمد مندور صـ ٣١٩، صـ ٣٢٠.
(٢) ... نفس المرجع صـ ٣٢٢.

<<  <   >  >>