للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يقولون شاعر، ساحر، كاهن قال أبو ذر: وكان أنيس أحد الشعراء، فقال: تالله لقد وضعت قوله على إقراء الشعراء فلم يلتئم على لسان أحد؛ ولقد سمعت الكهنة فما هو بقولهم؛ والله إنه لصادق، وإنهم لكاذبون (١).

والحق أن القرآن الكريم ليس شعراً، وليس سحراً؛ فقد أقسم الله تعالى للعرب في محكم كتابه قائلاً لهم: {فَلا أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ (٣٨) ومَا لا تُبْصِرُونَ (٣٩) إنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (٤٠) ومَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلاً مَّا تُؤْمِنُونَ (٤١) ولا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ (٤٢) (٢)}.

ولما بحث العلماء مسألة الإعجاز في القرآن لم تغب عن أذهانهم فكرة النظم القرآني - على الرغم من أن منهم من ذهب إلى أن القرآن الكريم معجزة لتضمنه أخبار غيبية، كالأخبار ص ٦١ عن الأمم السابقة، وكالأخبار ص ٦١ عما سيحدث في المستقبل؛ ومنهم من ذهب إلى أن الله تعالى قد صرف العرب عن معارضة القرآن الكريم - وإن كانت في مقدورهم - إلا أن فكرة النظم هي التي انتصرت في النهاية كسر عظيم لإعجاز القرآن الكريم.

فها هو أبو عثمان عمرو بن بحر الجاحظ المتوفى سنة ٢٥٥ هـ يؤديه إحساسه العميق بروعة النظم، وما يكسبه الكلام من الماء والرونق والحيوية والنضرة والروعة إلى أن يصيح في معاصريه: إن إعجاز القرآن الكريم في نظمه، ويؤلف كتاباً في هذا المعنى، ولكنه يسقط من يد الزمن.

ولكنه يكرر هذا المعنى في كتاباته، كقوله: في كتابنا المنزل الذي يدلنا على أنه صدق نظمه البديع الذي لا يقدر على مثله العباد (٣).


(١) ... ثلاث رسائل في إعجاز القرآن ١٢٤، ١٢٥.
(٢) ... ×××× ص ٦١.
(٣) ... البلاغة تطور وتاريخ صـ ٥٢.

<<  <   >  >>