للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

كما قال الله تعالى: {وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْنَاهُمْ بِعَذَابٍ مِنْ قَبْلِهِ لَقَالُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَنَخْزَى} [طه: ١٣٤].

وقال تعالى: {رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ} [النساء: ١٦٥]، وسيأتي - إن شاء الله تعالى - الكَلَامُ على ما في قَوْله تعالى: {وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ} من الإِشْكالِ، والجوابِ عنه.

وقوله تعالى: {إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا} الخطابُ في قَوْله تعالى: {إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ} للنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، والإِرسالُ هو تَحْميلُ المُرْسَلِ شيئًا يُبَلِّغُه إلى المُرْسَلِ إليه؛ والجُمْلَةُ مُؤَكَّدَة بـ (إنَّ)، وتوكيدُ الجُمْلَة يدلُّ على الإهتمامِ بها؛ من أَجْلِ أن يُؤْمِنَ الإِنْسَانُ بها إيمانًا كاملًا.

يقول الله تعالى: {إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ} الباءُ هنا إمَّا أن تكون للتَّعْدِيّة، تقول: (أرسلته بكذا) لبيانِ المُرْسَلِ به، وإمَّا أن تكون للمُصاحَبَة.

يقول المُفَسِّر رَحِمَهُ اللهُ: [{بِالْحَقِّ} بالهدى] وكأنَّه أخذ هذا التَّفْسيرَ من قَوْلِه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ} [التَّوْبَة: ٣٣]، ولكنَّ الصَّحيحَ في الآيَة أنَّ المُرَادَ بالحَقِّ ضِدُّ الباطِلِ، فيشمل الصِّدْق في الخَبَر والعَدْل في الأَحْكَام؛ أي: بالصِّدْقِ في الأَخْبار والعَدْل في الأَحْكَام، وليس الهُدْى فقط، بل الهُدى والصَّلاح، والإِصْلاح، وغير ذلك.

وأمَّا في قَوْلِه تعالى: {بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ} [التَّوْبَة: ٣٣]، فنَعَم، مُمْكِنٌ أن نقول: المُرَاد بالهدى هناك العِلْمُ النَّافِع؛ لأنَّه ذَكَر الهدى وذكر الدِّين، فذَكَرَ العِلْم والعَمَل، أمَّا هنا فلا يَنْبَغي أن نَقْتَصِر على قَوْلنا: (الحَقِّ)؛ أي: الهُدَى، بل نَجْعله أعَمَّ من ذلك؛ لِيَشْمَل الهدى الذي هو العِلْم، ويشمل دِينَ الحَقِّ الذي هو الرُّشْد والصَّلاح

<<  <   >  >>