للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

والإِصْلاح، فالرَّسُولُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قد تَضَمَّنَت رسالَتُه العُلوم النَّافِعَة كُلَّها والصَّلاح للخَلْق في معاشِهِم ومعادِهِم، وما جاء به فقد تَضَمَّن الصِّدْقَ في الأَخْبار والعَدْلَ في الأَحْكَام.

قال تعالى: {إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا}.

{بَشِيرًا} حالٌ من الكافِ في {أَرْسَلْنَاكَ} بمَغنى: (مُبَشِّر).

قال المُفَسِّر رَحِمَهُ اللهُ: [{بَشِيرًا} مَن أجابَ إليه {وَنَذِيرًا} مَن لم يُجِبْ إليه] والبِشارَةُ هي الإخبار بما يَسُرُّ، وقد تُسْتعْمَل في الإخبار بما يَسوءُ كما في قَوْلِه تعالى: {فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} [آل عمران: ٢١]، وأمَّا الإنذارُ فهو التَّخْويف؛ أي: الإِعْلامُ بما يُخَوِّفُ، والنَّبِيُّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ كانت رِسالَتُه بشارَةً وإنذارًا؛ لأنَّها إمَّا أمرٌ يُبَشَّرُ فاعِلُه بما يَقْتَضيه ذلك الأَمْرُ، وإمَّا نَهْيٌ يُخَوَّفُ صاحِبُه من ارْتِكابه، فالشَّريعَة كُلُّها بِشارَةٌ ونِذارَةٌ.

وَقَوْل المُفَسِّر رَحِمَهُ اللهُ: [{بَشِيرًا} من أجاب إليه {وَنَذِيرًا} من لم يُجِبْ] قد يقال: إنَّ الأَوْلى إبقاءُ الآيَة على عُمُومها؛ أي: بشيرًا لَمِن أجاب إليه ونذيرًا له في الوَقْتِ نَفْسِه؛ لأنَّ من أجاب أيضًا يَحْتاجُ إلى إنذارٍ، فتكون البِشارَةُ والإنذارُ شامِلَةً لمن أجاب ومن لم يُجِبْ، حتى من لم يَجِبُ يُبَشَّرُ إن أجاب.

قَوْله تعالى: {وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ}: {وَإِنْ} بمَعنى (ما) فهي نافِيَة، وقد ذكرنا لـ (إن) النَّافِيَة ضابطًا، لَكِنَّه لا يُحيطُ بِجميعِ موارِدِها، وهو أنَّه: إذا أَتَتْ بعدها (إلا) فهي نافِيَة؛ مثل قَوْله تعالى: {إِنْ أَنْتَ إِلَّا نَذِير}، وَقَوْله تعالى: {إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ} [المائدة: ١١٠]، وَقَوْله تعالى: {إِنْ هَذَا إِلَّا اخْتِلَاقٌ} [ص: ٧]، وَقَوْله تعالى: {إِنْ هَذَا إِلَّا خُلُقُ الْأَوَّلِينَ} [الشعراء: ١٣٧] ومنها أيضًا هذه الآيَة: {وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ

<<  <   >  >>