الفَصْلُ الخَامِسُ: مُصَنَّفَاتُهُ
يُعَدُّ الإِمَامُ ابْنُ خُزَيْمَةَ مِنَ العُلَمَاءِ الَّذِيْنَ اشْتَهَرُوَا بِالتَّصَانِيْفَ النَّافِعَةِ، وَالأَجْزَاءِ المَاتِعَةِ، وَهَذِهِ المُصَنَّفَاتُ الكَثِيْرَةُ المتنَوِّعَةُ مِنْ ثِمَارِ جِدِّهِ وَاجْتِهَادِهِ، وَصَبر وَثَبَاتِهِ، عَلَى تَحْصِيْلِ العُلُوْمِ، وَمُجَالَسَةِ ذَوِي العُقُوْلِ وَالفُهُوْمِ.
وَمنْ ثِمَارِ رَحَلاتِهِ الوَاسِعَة، الَّتِي طَوَّفَ فِيْهَا الأَمْصَارَ وَالأَقْطَار، وَتَنَعَّمَ فِيْهَا بِالبُؤْسِ فِي الأَسْفَار، واقْتَنَعَ بِمُسَاكَنَةِ العِلْمِ وَالأَخْبَارِ، تَارِكًا فِي سَبِيْلِ ذَلِكَ التَّنَعُّمَ فِي الدِّمَنِ وَالأَوْطَارِ، فَرَحِمَهُ الله رَحَمْةَ الأَبْرَار، وَأَسْكَنَهُ جِنَانَ الأَخْيَار.
دَوَّنَ لَنَا فِيْهَا شَوَارِدَ الفَرَائِدَ، وَنَوَادِرَ الفَوَائِدَ، وَزَوَائِدَ القَلائِد، فَجَمَعَ وَحَقَّقَ، وَنَاقَشَ وَدَقَّقَ، وَدَلَّلَ وَرَحَّجَ، فَكَانَتْ كُتُبًا نَافِعَةً، وَعُلُوْمًا نَاصِعَةً، حَوَتْ كَثِيْرًا مِنَ العُلُوْمِ، كـ التَّفْسِير وَأُصُوْلِهِ، وَالحَدِيْثِ وَأُصُوْلِهِ، وَالفِقْهِ وَأُصُوْلِهِ، وَاللُّغَةِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ.
كَيْفَ لا يَكُوْنُ فِيْهَا ذَلِكَ، وَمُؤَلِّفُهَا هُوَ البَحَرُ العِجَاج، وَالحَبْرُ الَّذِي لا يُخَايَرُ فِي الحِجَى وَلا يُنَاظَرُ فِي الحِجَاجِ، ارْتَفَعَ مِقْدَارُهُ، فَتَقَاصَرَت عَنْهُ طَوَالِعُ النُّجُوْم، وَأَقَامَ بمَدِيْنَةِ نَيْسَابُور إِمَامَهَا حَيْثُ الضَّرَاغِمُ مُزْدَحِمَه، وَفَرْدَهَا الَّذِي رَفَعَ العِلَمُ بَيْنَ الأَفْرَادِ عَلَمَهُ، وَالوُفُوْدُ تَفِدُ عَلَى رَبْعِهِ، وَالفَتَاوَى تُحْمَلُ عَنْهُ بَرًا وَبَحْرًا، وَشَرْقًا وَغَرْبًا، وَتَشُقُّ الأَرْضَ شَقًّا، فَعُلُوْمُهُ تَسِيْرُ فَتَهْدِي فِي كُلِّ سَوْدَاءَ مُدْلِهمَّة، وَتَمْضِي عَلَمًا تَأَتَمُّ الهُدَاةُ بِهِ، كَيْفَ لا وَهُوَ إِمَامُ الأَئِمَّة، وَمُجَدِّدُ الأُمَّة (١).
(١) اقْتبَسْتُ كَثِيْرًا مِنْ هَذِهِ الفَقَرَاتِ مِنْ كَلامِ السُّبُكِي فِي طَبَقَاتِ الشَّافِعِيَّة (٣/ ١٠٩).
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute