للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وقال ابن ناصِر الدِّين الدِّمَشْقِي في "بَدِيْعَتِهِ":

مِنْ بِرِّهِ ابن أَسْلَم رَبَّانِي ... بَعْدُ الرِّبَاطِيْ أَحْمَدُ المُعَانِي

فَصْلٌ: في ذِكر بَعْض وَصَايَاهُ وَأَحْوَالِه

قال أَبُو عَبْد الله مُحَمَّد بن القَاسِم الطُّوْسِيُّ: "دَخَلْتُ عَلَى مُحَمَّد بن أَسْلَمَ قَبْلَ مَوْتِهِ بِأَرْبَعَةِ أَيَّامٍ بِنيسَابُور، فقال: يَا أَبَا عَبْدِ الله، تَعَالَ أُبَشِّرْكَ بِمَا صَنَعَ اللهُ بِأَخِيكَ مِنَ الخَيْرِ، قَدْ نَزَلَ بِيَ المَوْتُ، وَقَدْ مَنَّ اللهُ عَلَيَّ أنَّهُ مَا لِي دِرْهَمٌ يُحَاسِبُنِي اللهُ عَلَيْهِ.

ثُمَّ قَالَ: أَغْلِقِ البَابَ، وَلا تَأْذنْ لأَحَدٍ حَتَّى أَمُوتَ، وَتَدفِنُونَ كُتُبِي، وَاعْلَمْ أَنِّي أَخْرُجُ مِنَ الدُّنْيَا وَلَيْسَ أَدَعُ مِيْرَاثًا غَيْرَ كِسَائِي وَلبْدِي وَإِنَائِي الَّذِي أَتَوَضَّأُ فِيهِ وَكُتُبِي هَذِهِ، فَلا تُكَلِّفُوا النَّاسَ مُؤْنَةً.

وَكَانَ مَعَهُ صرَّةٌ فِيْهَا نَحْوُ ثَلاثِيْنَ دِرْهَمًا، فَقَالَ: هَذَا لابْنِي، أَهدَاهُ قَرِيْبٌ لَهُ، وَلا أَعْلَمُ شَيْئًا أَحَلَّ لِي مِنْهُ؛ لأَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "أَنْتَ وَمَالُكَ لأَبِيْكَ" (١). وَقَالَ: "أَطْيَبُ مَا أَكَلَ الرَّجُلُ مِنْ كَسْبِهِ، وَإِنَّ وَلَدَهُ مِنْ كَسْبِهِ" (٢). فَكَفِّنُونِي مِنْهَا، فَإِنْ أَصَبْتُمْ لِي بِعَشَرَةٍ مَا يَسْتُرُ عَورَتِي، فَلا تَشتَرُوا بِخَمْسَةَ عَشَرَ، وَابْسُطُوا عَلَى جِنَازَتِي لِبْدِي، وَغَطُّوا عَلَيْهَا كِسَائِي، وَأَعْطُوا إِنَائِي مِسْكِيْنًا. ثُمَّ مَاتَ فِي الْيَوْمِ الرَّابِعِ. فَعَجِبْتُ أَنْ قَالَ لِي ذَلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ، فَلَمَّا أُخْرِجَتْ جِنَازَتُهُ جَعَلَ النِّسَاءُ يَقُلْنَ مِنْ فَوْقِ السُّطُوحِ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ، هَذَا الْعَالِمُ الَّذِي خَرَجَ مِنَ الدُّنْيَا وَهَذَا مِيرَاثُهُ الَّذِي عَلَى جِنَازَتهِ لَيْسَ مِثْلُ عُلَمَائِنَا هَؤُلَاءِ الَّذِينَ هُمْ عَبِيدُ بُطُونِهِمْ، يَجْلِسُ أَحَدُهُمْ


(١) وَرَدَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِن الصَّحَابَة، وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ. انْظُر: الإِرْوَاء (برقم: ٨٣٨).
(٢) أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد في سُنَنِه (برقم: ٣٥٢٧)، وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ.

<<  <  ج: ص:  >  >>