الفَصْلُ السَّادِسُ: فِي ذِكْرِ بَعْضِ الصُّوَرِ وَالمَوَاقِفِ الدَّالَة عَلَى عَظِيم مَنْزِلَتِهِ وَمَكَانَتِهِ، بَيْنَ أَوْسَاطِ أَهْلِ العلْمِ مِنْ أَهْلِ زَمَانِهِ، وَمَنْ جَاءَ بَعْدَهُم
وَقَدِ اشْتَمَلَ هَذَا الفَصْلُ عَلَى المَبَاحِث الآتِيَة:
المَبْحَثُ الأوُّل: رُجُوعُ مَشَايخِهِ إِلَيْهِ أَثْنَاء المُنَاظَرَة.
قَالَ مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل السُّكَّرِي: سَمِعْتُ ابنَ خُزَيْمَة يَقُولُ: "حَضَرْتُ مَجْلِس المُزَنِي يَوْمًا وَسَأَلهُ سَائِلٌ مِنَ العِرَاقِيِّيْن عَنْ شِبْهِ العَمْد، فَقَالَ السَّائِلُ: إِنَّ الله وَصَفَ فِي كِتَابِهِ القَتْلَ صِنْفَيْن: عَمْدًا، وَخَطَأً. فَلِمَ قُلْتُمْ: إِنَّهُ عَلَى ثَلاثَةِ أَصْنَاف؟ وَاحْتَجَّ بِعَليِّ بن زَيْدِ بن جدْعَان، فَقَالَ لَهُ السَّائِلُ: وَتَحْتَجُّ بِعَلي بن زَيْد بن جُدْعَان؟ فَسَكَتَ المُزَنِي، فَقْلْتُ لُمِنَاظِرِه: قَدْ رَوَى هَذَا الحدِيث أَيْضًا أيّوب، وَخَالِد الحَذَّاء. فَقَالَ لِي: فَمَنْ عُقْبَة بن أَوْس؟ فَقُلْتُ: بَصْريّ، قَدْ رَوَى عَنْهُ ابنُ سِيْرِيْن مَعَ جَلالَتِهِ. فَقَالَ للمُزَنيّ: أَنْتَ تُنَاظِرُ أَوْ هذا؟ فَقَالَ: إِذَا جَاءَ الحدِيثُ فَهُوَ يُنَاظِرُ؛ لأَنَّهُ أَعْلَمُ بِالحَدِيْث مِنِّي، ثُمَّ أَتَكَلَّمُ أَنَا" (١).
وَقَالَ أَبُو بَكْر مُحَمَّد بن عَلِيّ الفَقِيْه الشَّاشِيُّ: حَضَرْتُ ابنَ خُزَيْمَة، فَقَالَ لَهُ أَبُو بَكْر النَّقَّاش المُقْرِئ: بَلَغَنِي أَنَّهُ لمَّا وَقَعَ بَيْنَ المزنِيِّ وَابنِ عَبْد الحَكَم قِيلَ للمُزَنيّ: إنَّهُ يَردُّ عَلَى الشَّافِعِيِّ، فَقَالَ: لَا يُمْكِنُهُ إِلّا بِمُحَمَّد بن إِسْحَاق النَّيْسَابُوْرِيّ، فَقَالَ
(١) أَخْرَجَهُ البَيْهَقِي فِي السُّنَن الكُبْرَى (٨/ ٤٤). تَارِيخ الإِسْلام (٧/ ٢٤٤).
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute