للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ببيانِ لُغَةٍ أو شرحٍ غريبٍ، كالإخبار عن الأمور الماضية من بَدْءِ الخَلْقِ وأخبارِ الأنبياء، أو الآتيةِ كالملاحِمِ والفِتَنِ (١) وأحوالِ يومِ القِيامة، وكذا الإخبارِ عمَّا يَحْصُلُ بفعله ثوابٌ مخصوصٌ أو عِقَابٌ مخصوص.

وإنما كان له حُكْمُ المرفوع، لأنَّ إِخبارَه بذلك يقتضي مُخْبِرًا له، وما لا مَجَالَ للاجتهاد فيه يقتضي مُوَقِّفًا (٢) للقائِل به، ولا مُوَقِّفَ للصحابة إلَّا النبيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أو بعضُ مَنْ يُخبِرُ عن الكُتُب القديمة، فلِهذا وَقَعَ الاحترازُ عنِ القِسْم الثاني (٣).

فإذا كان كذلك فَلَهُ حُكْمُ ما لو قال: قال رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فهو مرفوعٌ سَوَاءٌ كان مِمَّا سَمِعَه منه أو عنه بواسطة.

ومثالُ المرفوعِ من الفِعْل حُكْمًا: أنْ يفعلَ (٤) ما لا مجالَ للاجتهاد فيه، فَيُنَزَّلُ على أنَّ ذلك عندَه عن النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، كما قال الشافعيُّ في صلاة عليٍّ في الكُسُوف في كُلِّ رَكْعَةٍ أكثرُ من رُكُوعَيْن (٥).

ومثالُ المرفوعِ من التقرير حُكمًا: أنْ يُخبِرَ الصحابيُّ أنهم كانوا يفعلون في زمان النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كذا (٦)، فإنه يكونُ له حُكْمُ الرَّفْع مِنْ جِهَةِ أنَّ الظاهِرَ اطِّلاعُه -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على ذلك لِتَوفُّرِ دَوَاعِيهم على سؤاله عن أمُورِ دينهم،


(١) الملاحم: الحُروب الهائلة في آخر الزمان. والفِتَن: الشدائدُ التي تنزلُ بالناس وتختبر دينَهم في آخر الزمان أيضًا.
(٢) أي لأنّ إخبارَ الراوي عن الأمور المذكورة يقتضي مُخبِرًا أي عن الله ومُوَقِّفًا أي مُعَلِّمًا وهو النبيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. فيكون لهذا الموقوفِ حُكمُ المرفوع.
(٣) أي شَرَطْنَا ألَّا يكونَ أَخَذَ عَنِ الإسرائيليات، فلَمْ يبقَ إلا الأخذُ عن النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
(٤) قوله "أن يفعل" أي الصحابي، وفي النسخ الأخرى: "أن يفعل الصحابي". وهو واضح من سِياق الكلام.
(٥) أشار إليه مسلم: ٣: ٣٤ وأخرجه أحمد: ١: ١٤٣، فذكر صلاةَ عليٍّ رضي الله عنه تفصيلًا أربع ركوعات في كل ركعة. . . "ثم حدَّثهم أنّ رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كذلك فَعَل". ورجاله ثقات، مجمع الزوائد: ٢: ٢٠٧.
(٦) وكذا قولُ الصحابي "كانوا يقولون كذا في عهد النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-".

<<  <   >  >>