للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولأنَّ ذلك الزمانَ زمانُ نزولِ الوَحْي فلا يقعُ من الصحابةِ فِعْلُ شيءٍ ويَستَمِرُّون عليه إلَّا وهو غيرُ ممنوعِ الفِعْلِ.

وقَدْ استدَلَّ جابرٌ وأبو سعيدٍ رضي الله عنهما على جواز العَزْلِ بأنَّهم كانوا يَفْعَلونَه والقرآنُ يَنْزِلُ (١)، ولو كان مما يُنْهَى عنه لنَهَى عنه القرآنُ.

ويَلْتَحِقُ بقوله "حُكمًا" ما وَرَدَ بصيغة الكِناية في مَوْضِعِ الصِّيَغِ الصَّريحةِ بالنسبةِ إليه -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كقول التابعيِّ عن الصحابيِّ: "يَرْفَعُ الحديثَ، أو يَرْوِيه، أو يَنْمِيه، أو روايةً، أو يبلُغُ به، أو رَوَاه" (٢).

وقد يَقْتَصِرُونَ على القول مع حَذْفِ القائل (٣)، ويريدون به النبيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كقول ابنِ سيرينَ عن أبي هريرةَ قال: قال: تُقاتِلون قومًا. . . الحديث (٤)، وفي كلام الخطيبِ أنه اصطلاحٌ خاصٌّ بأهل البَصْرة.

ومن الصيغِ المحتملة قولُ الصحابي: "من السُّنَّة كذا"، فالأكثرُ أنَّ ذلك مرفوعٌ، ونَقَلَ ابنُ عبد البَرِّ فيه الاتفاقَ، قال: وإذا قالها غيرُ الصحابي فكذلك ما لم يُضِفْهَا إلى صاحِبِها كَسُنَّةِ العُمَرَيْن، وفي نَقْلِ الاتفاقِ نَظَرٌ، فعَنِ الشافعي في أصلِ المسألة قَولانِ، وذهبَ إلى أنه غيرُ مرفوعٍ أبو بكرٍ الصَّيْرَفيّ (٥) من الشافعية، وأبو بكرٍ الرازي من الحَنَفِيَّة،


(١) ولفظُه: "كنا نَعْزِلُ والقرآنُ يَنْزِلُ". البخاري: ٧: ٣٣ ومسلم: ٤: ١٦٩ كلاهما عن جابر وأبي سعيد.
(٢) المراد بهذه الألفاظ كلِّها نِسْبَةُ الحديث إلى النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- والوصول به إليه، "يَنْمِيه" أي يَنقُلُه عنه، و"يَبْلُغُ به" أي إلى النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهكذا.
ومن أمثلتها حديثُ أبي هريرة روايةً: "تقاتلون قومًا صغارَ الأعين. . .". هكذا عند أبي داود: ٤: ١١٢. وعند مسلم: ٨: ١٨٤: "يبلغ به. . .". ورواه البخاريُّ بالرَّفع الصريح: ٤: ٤٣ والترمذي: ٤: ٤٩٧.
(٣) وهو أن يقول الراوي عند ذكر الصحابي: قال: قال. ولا يذكر القائل أي النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
(٤) سَبَقَ تخريجهُ، وهذه روايةٌ أخرى له.
(٥) محمد بن عبد الله الصَّيْرفي أبو بكر، الفقيه الشافعي، أحدُ المتكلمين المشهورين بالنظر في زمانه. (ت ٣٣٠) له شرح رسالة الشافعي، وغيره في الأصول والفروع.

<<  <   >  >>