للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بالمدرسة الأشرفية كتابَه المشهور، فهذَّبَ فنونَه وأملاه شيئًا بعد شيء، فلهذا لم يحصُلْ ترتيبُه على الوضع المتناسب، واعتنى بتصانيفِ الخطيبِ المُفَرَّقة، فجمع شَتاتَ مقاصِدِها، وضمَّ إليها مِنْ غيرها نُخَبَ فوائدها، فاجتمع في كتابه ما تفرق في غيره، فلهذا عَكَفَ الناسُ عليه، وساروا بسيره، فلا يُحْصى كم ناظمٍ له ومختصِر، ومستدرِكٍ عليه ومقتصِر، ومُعارِضٍ له ومُنتَصِر (١).

فسألني بعضُ الإخوانِ أنْ أُلَخِّصَ له المُهِمَّ من ذلك، فلخَّصْتُه في أوراقٍ لطيفةٍ، سميتُها: "نُخْبَة الفِكَرِ في مُصطلحِ أهلِ الأثرِ"، على ترتيبٍ ابتكَرْتُه، وسبيلٍ انْتَهَجْتُه، مع ما ضَمَمْتُ إليه من شوارد الفرائد، وزوائد الفوائد. فرَغِبَ إليّ ثانيًا أنْ أضعَ عليها شرحًا يَحُلُّ رُموزَها، ويَفْتَحُ كُنُوزَها، ويُوضِّح ما خَفِيَ على المبتدئ من ذلك، فأجبتُه إلى سؤاله رجاءَ الاندراج في تلك المسالك، فبالغتُ في شرحها، في الإيضاح والتوجيه، ونبهت على خفايا زواياها، لأنَّ صاحبَ البيت أدرى بما فيه، وظهر لي أنَّ إيرادَه على صورةِ البسطِ أليقُ (٢)، ودَمْجَها ضمن توضيحِها أوفقُ، فسلكتُ هذه الطريقةَ القليلةَ السالكِ. فأقول طالبًا من الله التوفيق فيما هنالك:


= في العلوم وفي الحديث خاصة، قال الذهبي فيه: "الإمامُ المفتي شيخُ الإسلام". وكانت فتاواه مسدَّدة. (ت ٦٤٣). له كتب كثيرة أشهرُها "علومُ الحديثِ"، الذي شُهِر به وقيل له: "مقدمةُ ابنِ الصلاح". ويمتازُ إضافة إلى ما ذكر المصنف بأمرين مهمين:
١ - ضبط التعاريف، ووضع تعاريف لم يسبق بها.
٢ - الاستنباط والتحقيق في مسائل العلم بدقة.
(١) انظر جملة مما صُنِّف على "علوم الحديث" لابن الصلاح في تصديرنا لتحقيقه: ٢١ - ٢٢. ونود الإشارةَ هنا إلى مختصره "إرشادُ طلابِ الحقائقِ" للنووي، فإنه أحسنُ مُختصَرٍ، مع وضوح العبارة، وقد حققناه بدقة ولله الحمد.
(٢) صورة البسط في الشرح: هي أن يَبْسُطَ المَتْنَ مع الشرحِ، أي يسبِكَه معه كأنهما نصٌّ واحدٌ، وهذه الطريقةُ أيسرُ على الدارس.

<<  <   >  >>