للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لَهُ بُعْدٌ: مَذْهَبٌ؛ وَقَوْلُ صَخْرِ الْغَيِّ:

المُوعِدِينا فِي أَن نُقَتِّلَهُمْ، ... أَفْنَاءَ فَهْمٍ، وبَيْنَنا بُعَدُ

أَي أَنَّ أَفناء فَهُمْ ضُرُوبٌ مِنْهُمْ. بُعَد جَمع بُعْدةٍ. وَقَالَ الأَصمعي: أَتانا فُلَانٌ مِنْ بُعْدةٍ أَي مِنْ أَرض بَعيدة. وَيُقَالُ: إِنه لَذُو بُعْدة أَي لَذُو رأْي وَحَزْمٍ. يُقَالُ ذَلِكَ لِلرَّجُلِ إِذا كَانَ نَافِذَ الرأْي ذَا غَوْر وَذَا بُعْدِ رأْي. وَمَا عِنْدَهُ أَبْعَدُ أَي طَائِلٌ؛ قَالَ رَجُلٌ لِابْنِهِ: إِن غدوتَ عَلَى المِرْبَدِ رَبِحْتَ عَنَّا أَو رَجَعْتَ بِغَيْرِ أَبْعَدَ أَي بِغَيْرِ مَنْفَعَةٍ. وَذُو البُعْدة: الَّذِي يُبْعِد فِي المُعاداة؛ وأَنشد ابْنُ الأَعرابي لِرُؤْبَةَ:

يَكْفِيكَ عِنْدَ الشِّدَّةِ اليَبِيسَا، ... ويَعْتَلِي ذَا البُعْدَةِ النُّحُوسا

وبَعْدُ: ضِدُّ قَبْلَ، يُبْنَى مُفَرَدًا وَيُعْرَبُ مُضَافًا؛ قَالَ اللَّيْثُ: بَعْدَ كَلِمَةٌ دَالَّةٌ عَلَى الشَّيْءِ الأَخير، تَقُولُ: هَذَا بَعْدَ هَذَا، مَنْصُوبٌ. وَحَكَى سِيبَوَيْهِ أَنهم يَقُولُونَ مِنْ بَعْدٍ فَيُنْكِرُونَهُ، وَافْعَلْ هَذَا بَعْداً. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: بَعْدَ نَقِيضُ قَبْلَ، وَهُمَا اسْمَانِ يَكُونَانِ ظَرْفَيْنِ إِذا أُضيفا، وأَصلهما الإِضافة، فَمَتَى حَذَفْتَ الْمُضَافَ إِليه لِعِلْمِ الْمُخَاطَبِ بَنَيْتَهما عَلَى الضَّمِّ لِيُعْلَمَ أَنه مَبْنِيٌّ إِذ كَانَ الضَّمُّ لَا يَدْخُلُهُمَا إِعراباً، لأَنهما لَا يَصْلُحُ وقوعهما موقع الْفَاعِلِ وَلَا مَوْقِعُ المبتدإِ وَلَا الْخَبَرِ؛ وَقَوْلُهُ تَعَالَى: لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ

أَي مِنْ قَبْلِ الأَشياء وَبَعْدَهَا؛ أَصلهما هُنَا الْخَفْضُ وَلَكِنْ بُنِيَا عَلَى الضَّمِّ لأَنهما غَايَتَانِ، فإِذا لَمْ يَكُونَا غَايَةً فَهُمَا نَصْبٌ لأَنهما صِفَةٌ؛ وَمَعْنَى غَايَةٍ أَي أَن الْكَلِمَةَ حُذِفَتْ مِنْهَا الإِضافة وَجُعِلَتْ غَايَةُ الْكَلِمَةِ مَا بَقِيَ بَعْدَ الْحَذْفِ، وإِنما بُنِيَتَا عَلَى الضَّمِّ لأَن إِعرابهما فِي الإِضافة النَّصْبُ وَالْخَفْضُ، تَقُولُ رأَيته قَبْلَكَ وَمِنْ قَبْلِكَ، وَلَا يَرْفَعَانِ لأَنهما لَا يحدَّث عَنْهُمَا، اسْتُعْمِلَا ظَرْفَيْنِ فَلَمَّا عَدَلَا عَنْ بَابِهِمَا حُرِّكَا بِغَيْرِ الْحَرَكَتَيْنِ اللَّتَيْنِ كَانَتَا لَهُ يَدْخُلَانِ بِحَقِّ الإِعراب، فأَما وجوبُ بِنَائِهِمَا وَذَهَابُ إِعرابهما فلأَنهما عرِّفا مِنْ غَيْرِ جِهَةِ التَّعْرِيفِ، لأَنه حَذَفَ مِنْهُمَا مَا أُضيفتا إِليه، والمعنى: لِلَّهُ الأَمر مِنْ قَبْلِ أَن تَغْلِبَ الرُّومُ وَمِنْ بَعْدِ مَا غَلَبَتْ. وَحَكَى الأَزهري عَنِ الْفَرَّاءِ قَالَ: الْقِرَاءَةُ بِالرَّفْعِ بِلَا نُونٍ لأَنهما فِي الْمَعْنَى تُرَادُ بِهِمَا الإِضافة إِلى شَيْءٍ لَا مَحَالَةَ، فَلَمَّا أَدَّتا غَيْرَ مَعْنَى مَا أُضيفتا إِليه وُسِمَتا بِالرَّفْعِ وَهُمَا فِي مَوْضِعِ جَرٍّ، لِيَكُونَ الرَّفْعُ دَلِيلًا عَلَى مَا سَقَطَ، وَكَذَلِكَ مَا أَشبههما؛ كَقَوْلِهِ:

إِنْ يَأْتِ مِنْ تَحْتُ أَجِيْهِ مِنْ عَلُ

وَقَالَ الْآخَرُ:

إِذا أَنا لَمْ أُومَنْ عَلَيْكَ، وَلَمْ يكنْ ... لِقَاؤُك إِلَّا مِنْ وَرَاءُ ورَاءُ

فَرَفَعَ إِذ جَعَلَهُ غَايَةً وَلَمْ يَذْكُرْ بَعْدَهُ الَّذِي أُضيف إِليه؛ قَالَ الْفَرَّاءُ: وإِن نَوَيْتَ أَن تُظْهِرَ مَا أُضيف إِليه وأَظهرته فَقُلْتَ: لِلَّهِ الأَمر مِنْ قبلِ وَمِنْ بعدِ، جَازَ كأَنك أَظهرت الْمَخْفُوضَ الَّذِي أَضفت إِليه قَبْلَ وَبَعْدَ؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: ويقرأُ لِلَّهِ الأَمر مِنْ قبلٍ وَمِنْ بعدٍ يَجْعَلُونَهُمَا نَكِرَتَيْنِ، الْمَعْنَى: لِلَّهِ الأَمر مِنْ تقدُّمٍ وتأَخُّرٍ، والأَوّل أَجود. وَحَكَى الْكِسَائِيُّ: لِلَّهُ الأَمر مِنْ قبلِ وَمِنْ بعدِ، بِالْكَسْرِ بِلَا تَنْوِينٍ؛ قَالَ الْفَرَّاءُ: تَرَكَهُ عَلَى مَا كَانَ يَكُونُ عَلَيْهِ فِي الإِضافة، وَاحْتَجَّ بِقَوْلِ الأَوّل:

بَيْنَ ذِراعَيْ وَجَبْهَةِ الأَسَدِ

قَالَ: وَهَذَا لَيْسَ كَذَلِكَ لأَن الْمَعْنَى بَيْنَ ذِرَاعَيِ الأَسد وَجَبْهَتِهِ، وَقَدْ ذَكَرَ أَحد الْمُضَافِ إِليهما، وَلَوْ كَانَ: لِلَّهِ الأَمر مِنْ قَبْلِ وَمِنْ بَعْدِ كَذَا، لَجَازَ عَلَى هَذَا وَكَانَ

<<  <  ج: ص:  >  >>