للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الْمَعْنَى مِنْ قَبْلِ كَذَا وَمِنْ بَعْدِ كَذَا؛ وَقَوْلُهُ:

وَنَحْنُ قَتَلْنَا الأُسْدَ أُسْدَ خَفِيَّةٍ، ... فَمَا شَرِبُوا بَعْدٌ عَلَى لَذَّةٍ خَمْرا

إِنما أَراد بعدُ فَنَوَّنَ ضَرُورَةً؛ وَرَوَاهُ بَعْضُهُمْ بعدُ عَلَى احْتِمَالِ الْكَفِّ؛ قَالَ اللِّحْيَانِيُّ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَا هُوَ بِالَّذِي لَا بَعْدَ لَهُ، وَمَا هُوَ بِالَّذِي لَا قُبْلَ لَهُ، قَالَ أَبو حَاتِمٍ: وَقَالُوا قَبْلَ وَبَعْدَ مِنَ الأَضداد، وَقَالَ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها

، أَي قَبْلَ ذَلِكَ. قَالَ الأَزهري: وَالَّذِي قَالَهُ أَبو حَاتِمٍ عَمَّنْ قَالَهُ خطأٌ؛ قبلُ وبعدُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نَقِيضُ صَاحِبِهِ فَلَا يَكُونُ أَحدهما بِمَعْنَى الْآخَرِ، وَهُوَ كَلَامٌ فَاسِدٌ. وأَما قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها

؛ فإِن السَّائِلَ يسأَل عَنْهُ فَيَقُولُ: كَيْفَ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ وَالْأَرْضُ أَنشأَ خَلْقَهَا قَبْلَ السَّمَاءِ وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ؛ فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ ذِكْرِ الأَرض وَمَا خُلِقَ فِيهَا قَالَ: ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ، وَثُمَّ لَا يَكُونُ إِلا بَعْدَ الأَول الَّذِي ذُكِرَ قَبْلَهُ، وَلَمْ يَخْتَلِفِ الْمُفَسِّرُونَ أَن خَلْقَ الأَرض سَبَقَ خَلْقَ السَّمَاءِ، وَالْجَوَابُ فِيمَا سأَل عَنْهُ السَّائِلُ أَن الدَّحو غَيْرُ الْخَلْقِ، وإِنما هُوَ الْبَسْطُ، وَالْخَلْقُ هُوَ الإِنشاءُ الأَول، فَاللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، خَلَقَ الأَرض أَولًا غَيْرَ مَدْحُوَّةٍ، ثُمَّ خَلَقَ السَّمَاءَ، ثُمَّ دَحَا الأَرض أَي بَسَطَهَا، قَالَ: وَالْآيَاتُ فِيهَا مُتَّفِقَةٌ وَلَا تَنَاقُضَ بِحَمْدِ اللَّهِ فِيهَا عِنْدَ مَنْ يَفْهَمُهَا، وإِنما أَتى الْمُلْحِدُ الطَّاعِنُ فِيمَا شَاكَلَهَا مِنَ الْآيَاتِ مِنْ جِهَةِ غَبَاوَتِهِ وَغِلَظِ فَهْمِهِ وَقِلَّةِ عِلْمِهِ بِكَلَامِ الْعَرَبِ. وَقَوْلُهُمْ فِي الْخَطَابَةِ: أَما بعدُ؛ إِنما يُرِيدُونَ أَما بَعْدُ دُعَائِي لَكَ، فإِذا قُلْتَ أَما بعدَ فإِنك لَا تُضِيفُهُ إِلى شَيْءٍ وَلَكِنَّكَ تَجْعَلُهُ غَايَةً نَقِيضًا لِقَبْلَ؛ وَفِي حَدِيثِ

زَيْدِ بْنِ أَرقم: أَن رَسُولَ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، خَطَبَهُمْ فَقَالَ: أَما بعدُ

؛ تَقْدِيرُ الْكَلَامِ: أَما بعدَ حَمْدِ اللَّهِ فَكَذَا وَكَذَا. وَزَعَمُوا أَن دَاوُدَ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، أَول مَنْ قَالَهَا؛ وَيُقَالُ: هِيَ فَصْلُ الْخِطَابِ وَلِذَلِكَ قَالَ جَلَّ وَعَزَّ: وَآتَيْناهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطابِ؛ وَزَعَمَ ثَعْلَبٌ أَن أَول مَنْ قَالَهَا كَعْبُ بْنُ لُؤَيٍّ. أَبو عُبَيْدٍ: يُقَالُ لَقِيتُهُ بُعَيْداتِ بَيْنٍ إِذا لقيته بَعْدَ حِينٍ؛ وَقِيلَ: بُعَيْداتِ بَيْنٍ أَي بُعَيد فِرَاقٍ، وَذَلِكَ إِذا كَانَ الرَّجُلُ يُمْسِكُ عَنْ إِتيان صَاحِبِهِ الزمانَ، ثُمَّ يأْتيه ثُمَّ يُمْسِكُ عَنْهُ نحوَ ذَلِكَ أَيضاً، ثُمَّ يأْتيه؛ قَالَ: وَهُوَ مِنْ ظُرُوفِ الزَّمَانِ الَّتِي لَا تَتَمَكَّنُ وَلَا تُسْتَعْمَلُ إِلَّا ظَرْفًا؛ وأَنشد شمر:

وأَشْعَثَ مُنْقَدّ القيمصِ، دعَوْتُه ... بُعَيْداتِ بَيْنٍ، لَا هِدانٍ وَلَا نِكْسِ

وَيُقَالُ: إِنها لَتَضْحَكُ بُعَيْداتِ بَيْنٍ أَي بَيْنَ المرَّة ثُمَّ الْمَرَّةِ فِي الْحِينِ. وَفِي حَدِيثِ

النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنه كَانَ إِذا أَراد الْبَرَازَ أَبعد

، وَفِي آخِرَ: يَتَبَعَّدُ؛ وَفِي آخِرَ: أَنه، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَانَ يُبْعِدُ فِي الْمَذْهَبِ أَي الذَّهَابِ عِنْدَ قَضَاءِ حَاجَتِهِ؛ مَعْنَاهُ إِمعانه فِي ذَهَابِهِ إِلى الْخَلَاءِ. وأَبعد فُلَانٍ فِي الأَرض إِذا أَمعن فِيهَا. وَفِي حَدِيثِ

قَتْلِ أَبي جَهْلٍ: هَلْ أَبْعَدُ مِنْ رَجُلٍ قَتَلْتُمُوهُ؟

قَالَ ابْنُ الأَثير: كَذَا جَاءَ فِي سُنَنِ أَبي دَاوُدَ معناها أَنهى وأَبلغ، لأَن الشَّيْءَ الْمُتَنَاهِيَ فِي نَوْعِهِ يُقَالُ قَدْ أَبعد فِيهِ، وَهَذَا أَمر بَعِيدٌ لَا يَقَعُ مِثْلُهُ لِعِظَمِهِ، وَالْمَعْنَى: أَنك اسْتَعْظَمَتْ شأْني وَاسْتَبْعَدْتَ قَتْلِي فَهَلْ هُوَ أَبعد مِنْ رَجُلٍ قَتَلَهُ قَوْمُهُ؛ قَالَ: وَالرِّوَايَاتُ الصَّحِيحَةُ أَعمد، بِالْمِيمِ.

بغدد: بَغْدادُ وَبَغْدَاذُ وَبَغْذَادُ وَبَغْذَاذُ وبَغْدِينُ وَبَغْدَانُ ومَغْدان: كُلُّهَا اسْمُ مَدِينَةِ السَّلَامِ، وَهِيَ

<<  <  ج: ص:  >  >>