للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

المَدّعَى عَلَيْهِ، فَتَثَبَّتَ دَاوُدُ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَقَالَ: هُوَ الْمَنَامُ، فأَتاه الْوَحْيُ بَعْدَ ذَلِكَ أَن يَقْتُلَهُ فأَحضره ثُمَّ أَعلمه أَن اللَّهَ يأْمرُه بِقَتْلِهِ، فَقَالَ المدّعَى عَلَيْهِ: إِن اللَّهَ مَا أَخَذَني بِهَذَا الذَّنْبِ وإِني قَتَلْتُ أَبا هَذَا غِيلَة، فَقَتَلَهُ دَاوُدُ، عَلَى نَبِيِّنَا وَعَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، وَذَلِكَ مِمَّا عظَّمَ اللَّهُ بِهِ هَيْبَتَه وشدَّدَ ملْكه. وشدَّ عَلَى يَدِهِ: قوَّاه وأَعانه؛ قَالَ:

فإِني، بحَمْدِ اللَّهِ، لَا سَمَّ حَيَّةٍ ... سَقَتْني، وَلَا شَدَّتْ عَلَى كفِّ ذَابِحِ

وشَدَدْتُ الشيءَ أَشُدُّه شَدّاً إِذا أَوثَقْتَه. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: فَشُدُّوا الْوَثاقَ

. وَقَالَ تَعَالَى: اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي

. ابْنُ الأَعرابي: يُقَالُ حَلَبْتَ بالساعِدِ الأَشَدِّ أَي استعَنْتَ بِمَنْ يقومُ بأَمرك ويُعْنى بِحَاجَتِكَ. وَقَالَ أَبو عُبَيْدٍ: يُقَالُ حَلَبْتُها بالساعِدِ الأَشَدِّ أَي حِينَ لَمْ أَقْدِر عَلَى الرِّفْق أَخَذْتُه بالقُوَّةِ والشِّدَّةِ؛ ومثلُه قَوْلُهُ مُجاهرَةً إِذا لَمْ أَجِدْ مُخْتَلى. وَمِنْ أَمثالهم فِي الرَّجُلِ يُحْرِزُ بَعْضَ حَاجَتِهِ ويَعْجِز عَنْ تَمَامِهَا: بَقِيَ أَشَدُّه. قَالَ أَبو طَالِبٍ: يُقَالُ إِنه كَانَ فِيمَا يُحْكَى عَنِ الْبَهَائِمِ أَن هِرًّا كَانَ قَدْ أَفنى الجُرْذان، فَاجْتَمَعَ بَقِيَّتُهَا وَقُلْنَ: تعالَيْن نَحْتَالُ بِحِيلَةٍ لِهَذَا الْهِرِّ، فأَجمع رأْيُهن عَلَى تَعْلِيقِ جُلْجُل فِي رَقَبَتِهِ، فإِذا رَآهُنَّ سَمِعْنَ صَوْتَ الْجُلْجُلِ فَهَرَبْنَ مِنْهُ، فَجِئْنَ بِجُلْجُلٍ وَشَدَدْنَهُ فِي خَيْطٍ ثُمَّ قُلْنَ: مَنْ يُعَلِّقُهُ فِي عُنُقِهِ؟ فَقَالَ بَعْضُهُنَّ: بَقِيَ أَشَدُّه؛ وَقَدْ قِيلَ فِي ذَلِكَ:

أَلا امْرُؤٌ يَعْقِدُ خَيْطَ الجُلْجُلِ

وَرَجُلٌ شديدٌ: قويٌّ، وَالْجَمْعُ أَشِدّاءُ وشِدادٌ وشُددٌ: عَنْ سِيبَوَيْهِ، قَالَ: جَاءَ عَلَى الأَصل لأَنه لَمْ يُشْبِهِ الْفِعْلَ. وَقَدْ شَدَّ يشِدّ، بِالْكَسْرِ لَا غَيْرُ، شِدَّةً إِذا كَانَ قَوِيًّا، وشادَّه مُشادَّة وشِداداً: غَالَبَهُ. وَفِي الْحَدِيثِ:

مَن يُشادّ هَذَا الدِّينَ يَغْلِبُه

؛ أَراد يَغْلِبُه الدينُ، أَي مَنْ يُقاويه ويُقاوِمُه ويُكَلِّف نَفْسَهُ مِنَ الْعِبَادَةِ فَوْقَ طَاقَتِهِ. والمُشادَدَة: المُغالَبَة، وَهُوَ مِثْلُ الْحَدِيثِ الْآخَرِ:

إِن هَذَا الدينَ مَتِينٌ فأَوْغِلْ فِيهِ بِرِفْقٍ.

وأَشَدَّ الرجلُ إِذا كَانَتْ دوابُّه شِداداً. والمُشادَّة فِي الشَّيْءِ: التَّشَدُّد فِيهِ. وَيُقَالُ لِلرَّجُلِ «٢» إِذا كُلِّفَ عَمَلًا: مَا أَملك شَدّاً وَلَا إِرخاءً أَي لَا أَقدر عَلَى شَيْءٍ. وشَدَّ عَضُدَه أَي قَوَّاه. واشْتَدَّ الشيءُ: مِنَ الشِّدَّة. أَبو زَيْدٍ: أَصابَتْني شُدَّى عَلَى فُعْلَى أَي شِدَّة. وأَشَدَّ الرَّجُلُ إِذا كَانَتْ مَعَهُ دَابَّةٌ شَدِيدَةٌ. وَفِي الْحَدِيثِ:

يَرُدُّ مُشِدُّهُمْ عَلَى مُضْعِفِهِمْ

؛ المُشِدُّ: الَّذِي دَوَابُّهُ شَديدة قَوِيَّةٌ، والمُضْعِفُ: الَّذِي دَوَابُّهُ ضَعِيفَةٌ. يُرِيدُ أَن الْقَوِيَّ مِنَ الغُزاة يُساهِمُ الضَّعِيفَ فِيمَا يَكْسِبه مِنَ الْغَنِيمَةِ. والشَّديدُ مِنَ الْحُرُوفِ ثَمَانِيَةُ أَحرف وَهِيَ: الْهَمْزَةُ وَالْقَافُ وَالْكَافُ وَالْجِيمُ وَالطَّاءُ وَالدَّالُ وَالتَّاءُ وَالْبَاءُ، قَالَ ابْنُ جِنِّي: وَيَجْمَعُهَا في اللفظ قولك: [أَجَدْتَ طَبَقَكَ، وأَجِدُكَ طَبَقْتَ]. وَالْحُرُوفُ الَّتِي بَيْنَ الشَّدِيدَةِ وَالرَّخْوَةِ ثَمَانِيَةٌ وَهِيَ: الأَلف وَالْعَيْنُ وَالْيَاءُ وَاللَّامُ وَالنُّونُ وَالرَّاءُ وَالْمِيمُ وَالْوَاوُ يَجْمَعُهَا فِي اللَّفْظِ قَوْلُكَ: [لَمْ يُرَوِّعْنا] وإِن شِئْتَ قُلْتَ [لَمْ يَرَ عَوْناً] وَمَعْنَى الشَّدِيدِ أَنه الْحَرْفُ الَّذِي يَمْنَعُ الصَّوْتَ أَن يجْرِيَ فِيهِ، أَلا تَرَى أَنك لَوْ قُلْتَ الْحَقَّ وَالشَّرْطَ ثُمَّ رُمْتَ مَدَّ صَوْتِكَ فِي الْقَافِ وَالطَّاءِ لَكَانَ مُمْتَنِعًا؟ ومِسْكٌ شَديدُ الرَّائِحَةِ: قَوِيُّهَا ذَكِيُّها. وَرَجُلٌ شَدِيدُ الْعَيْنِ: لَا يَغْلِبُهُ النَّوْمُ، وَقَدْ يُسْتَعَارُ ذَلِكَ فِي النَّاقَةِ؛ قَالَ الشَّاعِرُ:

باتَ يُقَاسِي كلَّ نابٍ ضِرِزَّةٍ، ... شَديدةِ جَفْنِ العَينِ، ذاتِ ضَرِيرِ


(٢). قوله [ويقال للرجل] كذا بالأَصل ولعل الأَولى ويقول الرجل

<<  <  ج: ص:  >  >>