للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَقَوْلُهُ تَعَالَى: رَبَّنَا اطْمِسْ عَلى أَمْوالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلى قُلُوبِهِمْ

؛ أَي اطْبَعْ عَلَى قُلُوبِهِمْ. والشِّدَّة: المَجاعة. والشَّدائِدُ: الهَزاهِزُ. والشِّدَّة: صُعُوبَةُ الزَّمَنِ؛ وَقَدِ اشتدَّ عَلَيْهِمْ. والشِّدَّة والشَّدِيدَةُ مِنْ مَكَارِهِ الدَّهْرِ، وَجَمْعُهَا شَدائد، فإِذا كَانَ جَمْعَ شَدِيدَةٍ فَهُوَ عَلَى الْقِيَاسِ، وإِذا كَانَ جَمْعَ شِدَّةٍ فَهُوَ نَادِرٌ. وشِدَّة العيْش: شَظَفُه. وَرَجُلٌ شَدِيد: شَحِيحٌ. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ

؛ قَالَ أَبو إِسحاق: إِنه مِنْ أَجل حُبِّ الْمَالِ لَبَخِيلٌ. والمُتَشَدِّدُ: الْبَخِيلُ كَالشَّدِيدِ؛ قَالَ طَرَفَةُ:

أَرى المَوْتَ يَعْتامُ الكِرامَ، ويَصْطَفي ... عَقِيلَةَ مالِ الفاحِشِ المُتَشَدِّدِ

وَقَوْلُ أَبي ذؤَيب:

حَدَرْناهُ بالأَثوابِ فِي قَعْرِ هُوَّةٍ ... شديدٍ، عَلَى مَا ضُمَّ فِي اللَّحْدِ، جُولُها

أَراد شَحِيحٍ عَلَى ذَلِكَ. وشَدَّدَ الضَّرْبَ وكلَّ شَيْءٍ: بالَغَ فِيهِ. والشَّدُّ: الحُضْرُ والعَدْوُ، وَالْفِعْلُ اشْتَدَّ أَي عَدَا. قَالَ ابْنُ رُمَيْضٍ الْعَنْبَرِيُّ، وَيُقَالُ رُمَيْصٍ، بِالصَّادِ الْمُهْمَلَةِ:

هَذَا أَوانُ الشَّدِّ فاشْتَدِّي زِيَمْ

. وزِيَم: اسْمُ فَرَسِهِ؛ وَفِي حَدِيثِ الْحَجَّاجِ:

هَذَا أَوانُ الْحَرْبِ فاشْتَدِّي زِيَمْ

هُوَ اسْمُ نَاقَتِهِ أَو فَرَسِهِ. وَفِي حَدِيثِ الْقِيَامَةِ:

كحُضْرِ الفَرَس ثُمَّ كشَدِّ الرَّجُلِ الشَّديدِ العَدْوِ

؛ وَمِنْهُ حَدِيثُ السَّعْي:

لَا يَقْطَع الْوَادِيَ إِلَّا شَدّاً

أَي عَدْواً. وَفِي حَدِيثِ أُحد:

حَتَّى رأَيت النِّسَاءَ يَشْتَدِدْنَ فِي الْجَبَلِ

أَي يَعْدُون؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: هَكَذَا جَاءَتِ اللَّفْظَةُ فِي كِتَابِ الْحُمَيْدِيِّ، وَالَّذِي جَاءَ فِي كِتَابِ الْبُخَارِيِّ يشْتَدْنَ، بِدَالٍ وَاحِدَةٍ، وَالَّذِي جَاءَ فِي غَيْرِهِمَا يُسْنِدْنَ، بِسِينٍ مُهْمَلَةٍ وَنُونٍ، أَي يُصَعِّدْنَ فِيهِ، فإِن صَحَّتِ الْكَلِمَةُ عَلَى مَا فِي الْبُخَارِيِّ، وَكَثِيرًا مَا يجيءُ أَمثالها فِي كُتُبِ الْحَدِيثِ، وَهُوَ قَبِيحٌ فِي الْعَرَبِيَّةِ لأَن الإِدغام إِنما جَازَ فِي الْحَرْفِ المُضَعَّفِ، لَمَّا سَكَنَ الأَول وَتَحَرَّكَ الثَّانِي، فأَما مَعَ جَمَاعَةِ النِّسَاءِ فإِن التَّضْعِيفَ يَظْهَرُ لأَن مَا قَبْلَ نُونِ النِّسَاءِ لَا يَكُونُ إِلا سَاكِنًا فَيَلْتَقِي سَاكِنَانِ، فَيُحَرَّكُ الأَوّل وَيَنْفَكُّ الإِدغام فَتَقُولُ يَشْتَدِدْنَ، فَيُمْكِنُ تَخْرِيجُهُ عَلَى لُغَةِ بَعْضِ الْعَرَبِ مِنْ بَكْرِ بْنِ وَائِلٍ، يَقُولُونَ رَدْتُ ورَدْتِ وَرَدْنَ، يُرِيدُونَ رَدَدْتُ ورَدَدْتِ ورَدَدْنَ، قَالَ الْخَلِيلُ: كأَنهم قَدَّرُوا الإِدغام قَبْلَ دُخُولِ التَّاءِ وَالنُّونِ، فَيَكُونُ لَفْظُ الْحَدِيثِ يَشْتَدْنَ. وَشَدَّ فِي العَدْوِ شَدًّا واشْتَدَّ: أَسْرَعَ وعَدَا. وَفِي الْمَثَلِ: رُبَّ شَدٍّ فِي الكُرْزِ؛ وَذَلِكَ أَنّ رَجُلًا خَرَجَ يَرْكُضُ فَرَسًا لَهُ فَرَمَتْ بِسَخْلَتِها فأَلقاها فِي كُرْزٍ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَالْكُرْزُ الجُوالِقُ، فَقَالَ لَهُ إِنسان: لِمَ تَحْمِلُهُ، مَا تَصْنَعُ بِهِ؟ فَقَالَ: رُبَّ شَدٍّ فِي الكُرْزِ؛ يَقُولُ: هُوَ سَرِيعُ الشدِّ كأُمه؛ يُضْرَبُ لِلرَّجُلِ يُحْتَقَرُ عِنْدَكَ وَلَهُ خَبَرٌ قَدْ عَلِمْتَهُ أَنت؛ قَالَ عَمْرُو ذُو الْكَلْبِ:

فَقُمْتُ لَا يَشْتَدُّ شَدِّي ذُو قَدَم

جَاءَ بِالْمَصْدَرِ عَلَى غَيْرِ الْفِعْلِ وَمِثْلُهُ كَثِيرٌ؛ وَقَوْلُ مَالِكُ بْنُ خَالِدٍ الخُناعي:

بأَسَرعِ الشَّدِّ مِنِّي، يومَ لَا نِيَةٌ، ... لَمَّا عَرَفْتُهم، واهْتَزَّتِ اللِّمَمُ

يُرِيدُ بأَسَرعَ شَدًّا مِنِّي، فَزَادَ اللَّامَ كَزيادتها فِي بَنَاتِ الأَوبر، وَقَدْ يَجُوزُ أَن يُرِيدَ بأَسرعَ فِي الشَّدِّ فَحَذَفَ الْجَارَّ وأَوصَلَ الفِعْلَ. قَالَ سِيبَوَيْهِ: وَقَالُوا شَدَّ مَا

<<  <  ج: ص:  >  >>