الْفَسَادَ. وفَسَّدَ الشيءَ إِذا أَبَارَه؛ وَقَالَ ابْنُ جُنْدُبٍ:
وقلتُ لَهُمْ: قَدْ أَدْرَكَتْكُمْ كَتِيبَةٌ ... مُفَسِّدَةُ الأَدْبارِ، مَا لَمْ تُخَفَّرِ
أَي إِذا شَدَّت عَلَى قَوْمٍ قَطَعَتْ أَدبارَهم مَا لَمْ تُخَفَّرِ الأَدبارُ أَي لَمْ تُمْنَعْ. وَفِي الْحَدِيثِ:
كُرِهَ عَشْرُ خِلال مِنْهَا إِفسادُ الصَّبِيِّ غيرَ مُحَرِّمِهِ
؛ هُوَ أَن يَطأَ المرأَة الْمُرْضِعَ فإِذا حَمَلَتْ فَسَدَ لَبَنُهَا وَكَانَ مِنْ ذَلِكَ فَسَادُ الصَّبِيِّ وَتُسَمَّى الغِيلَة؛ وَقَوْلُهُ غَيْرَ مُحَرِّمِهِ أَي أَنه كَرِهَهُ وَلَمْ يَبْلُغْ بِهِ حَدَّ التحريم.
فصد: الفصدُ: شَقُّ العِرْقِ؛ فَصَدَه يَفْصِدُه فَصْداً وفِصاداً، فَهُوَ مَفْصُودٌ وفَصِيدٌ. وفَصَدَ الناقةَ: شَقَّ عِرْقَها ليستخرِجَ دَمَهَ فيشرَبَه. وَقَالَ اللَّيْثُ: الفَصْدُ قَطْعُ العُروق. وافْتَصَدَ فلانٌ إِذا قطعَ عرْقَه فَفَصَد، وَقَدْ فَصَدَتْ وافْتَصدَتْ. وَمِنْ أَمثالهم فِي الَّذِي يُقْضَى لَهُ بعضُ حَاجَتِهِ دُونَ تَمَامِهَا: لَمْ يُحْرَمْ مَنْ فُصْدَ لَهُ، بإِسكان الصَّادِ، مأْخوذ مِنَ الفَصيدِ الَّذِي كَانَ يُصْنَعُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ ويؤْكل، يَقُولُ: كَمَا يَتَبَلَّغُ الْمُضْطَرُّ بِالْفَصِيدِ فَاقْنَعْ أَنت بِمَا ارْتَفَعَ مِنْ قَضَاءِ حَاجَتِكَ وإِن لَمْ تُقْضَ كلُّها. ابْنُ سِيدَهْ: وَفِي الْمَثَلِ: لَمْ يُحْرَمْ مِنْ فُصْد لَهُ، وَيُرْوَى: لم يحرم من فُزْدَ لَهُ أَي فُصِدَ لَهُ الْبَعِيرُ، ثُمَّ سُكِّنَتِ الصَّادُ تَخْفِيفًا، كَمَا قَالُوا فِي ضُرِبَ: ضُرْبَ، وَفِي قُتِلَ: قُتْلَ؛ كَقَوْلِ أَبي النَّجْمِ.
لَوْ عُصْرَ مِنْهُ البانُ والمِسْكُ انعَصَرْ
فَلَمَّا سُكِّنَتِ الصَّادُ وضَعُفَتْ ضارَعوا بِهَا الدَّالَ الَّتِي بَعْدَهَا بأَن قَلَبُوهَا إِلى أَشبه الْحُرُوفِ بِالدَّالِ مِنْ مَخْرَجِ الصَّادِ، وَهُوَ الزَّايُ لأَنها مَجْهُورَةٌ كَمَا أَن الدَّالَ مَجْهُورَةٌ، فَقَالُوا؛ فُزْد، فإِن تَحَرَّكَتِ الصَّادُ هُنَا لَمْ يَجُزِ الْبَدَلُ فِيهَا وَذَلِكَ نَحْوُ صَدَرَ وصَدَفَ لَا تَقُولُ فِيهِ زَدَرَ وَلَا زَدَفَ، وَذَلِكَ أَن الْحَرَكَةَ قَوَّتِ الْحِرَفَ وَحَصَّنَتْهُ فأَبعدته مِنَ الِانْقِلَابِ، بَلْ قَدْ يَجُوزُ فِيهَا إِذا تَحَرَّكَتْ إِشمامها رَائِحَةَ الزَّايِ، فأَما أَن تخلُص زَايًا وَهِيَ مُتَحَرِّكَةٌ كَمَا تَخْلُصُ وَهِيَ سَاكِنَةٌ فَلَا، وإِنما تُقْلَبُ الصَّادُ زَايًا وَتُشَمُّ رَائِحَتَهَا إِذا وَقَعَتْ قَبْلَ الدَّالِ، فإِن وَقَعَتْ قَبْلَ غَيْرِهَا لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ فِيهَا، وَكُلُّ صَادٍ وَقَعَتْ قَبْلَ الدَّالِ فإِنه يَجُوزُ أَن تَشُمَّهَا رَائِحَةَ الزَّايِ إِذا تَحَرَّكَتْ، وأَن تَقْلِبَهَا زَايًا مَحْضًا إِذا سُكِّنَتْ، وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ: قُصْدَ لَهُ، بِالْقَافِ، أَي مِنْ أُعْطِيَ قَصْداً أَي قَلِيلًا، وَكَلَامُ الْعَرَبِ بِالْفَاءِ؛ قَالَ يَعْقُوبُ: وَالْمَعْنَى لَمْ يُحْرَمْ مَنْ أَصاب بَعْضَ حَاجَتِهِ وإِن لَمْ يَنَلْهَا كُلَّهَا، وتأْويل هَذَا أَن الرَّجُلَ كَانَ يُضِيفُ الرَّجُلَ فِي شِدَّةِ الزَّمَانِ فَلَا يَكُونُ عِنْدَهُ مَا يَقْرِيه، ويَشِحُّ أَن يَنْحَرَ رَاحِلَتَهُ فَيَفْصِدُهَا فإِذا خَرَجَ الدَّمُ سَخَّنَه لِلضَّيْفِ إِلى أَن يَجْمُد ويَقْوَى فَيُطْعِمَهُ إِياه فَجَرَى الْمَثَلُ فِي هَذَا فَقِيلَ: لَمْ يُحْرَمْ مَنْ فَزْدَ لَهُ أَي لَمْ يُحْرَمِ القِرَى مَنْ فُصِدت لَهُ الرَّاحِلَةُ فَحَظِيَ بِدَمِهَا، يُسْتَعْمَلُ ذَلِكَ فِيمَنْ طَلَبَ أَمراً فَنَالَ بَعْضَهُ. والفَصِيدُ: دَمٌ كَانَ يُوضَعُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فِي مِعًى مِنْ فَصْدِ عِرْقِ الْبَعِيرِ ويُشْوى، وَكَانَ أَهل الْجَاهِلِيَّةِ يأْكلونه وَيُطْعِمُونَهُ الضَّيْفَ فِي الأَزْمة. ابن كُبْوَةَ: الفَصيدَة تمرٌ يُعْجَنُ ويُشابُ بِشَيْءٍ مِنْ دَمٍ وَهُوَ دَوَاءٌ يُداوَى بِهِ الصِّبْيَانُ، قَالَهُ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِمْ: مَا حُرِمَ مَنْ فُصْد لَهُ. وَفِي حَدِيثِ
أَبي رَجَاءٍ العُطاردي أَنه قَالَ: لَمَّا بَلَغَنَا أَن النَّبِيَّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. أَخذ فِي الْقَتْلِ هرَبْنا فاسْتَثَرْنا شِلْوَ أَرنبٍ دَفيناً وفَصَدْنا عَلَيْهَا فَلَا أَنسى تِلْكَ الأُكْلَةَ
؛ قَوْلُهُ: فَصَدْنا عَلَيْهَا يَعْنِي الإِبل وَكَانُوا يَفْصِدونها ويعالِجون ذَلِكَ الدمَ ويأْكلونه عِنْدَ الضَّرُورَةِ أَي فَصَدْنَا عَلَى شِلْوِ الأَرنب بَعِيرًا وأَسلنا عَلَيْهِ دَمَهُ وَطَبَخْنَاهُ وأَكلنا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute