للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بِسَكْرَى

؛ التَّفْسِيرُ أَنك تَرَاهُمْ سُكَارَى مِنَ الْعَذَابِ وَالْخَوْفِ وَمَا هُمْ بِسُكَارَى مِنَ الشَّرَابِ، يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَلكِنَّ عَذابَ اللَّهِ شَدِيدٌ

، وَلَمْ يقرأْ أَحد مِنَ الْقُرَّاءِ سَكَارَى، بِفَتْحِ السِّينِ، وَهِيَ لُغَةٌ وَلَا تَجُوزُ الْقِرَاءَةُ بِهَا لأَن الْقِرَاءَةَ سنَّة. قَالَ أَبو الْهَيْثَمِ: النَّعْتُ الَّذِي عَلَى فَعْلَانَ يُجْمَعُ عَلَى فُعَالى وفَعَالى مِثْلُ أَشْرَان وأُشَارى وأَشَارى، وغَيْرَانَ وَقَوْمٌ غُيَارَى وغَيَارَى، وإِنما قَالُوا سَكْرَى وفَعْلى أَكثر مَا تَجِيءُ جَمْعًا لفَعِيل بِمَعْنَى مَفْعُولٍ مِثْلُ قَتِيلٍ وقَتْلى وَجَرِيحٍ وجَرْحَى وَصَرِيعٍ وصَرْعَى، لأَنه شُبِّهَ بالنَّوْكَى والحَمْقَى والهَلْكَى لِزَوَالِ عَقْلِ السَّكْرَانِ، وأَما النَّشْوَانُ فَلَا يُقَالُ فِي جَمْعِهِ غَيْرَ النَّشَاوَى، وَقَالَ الْفَرَّاءُ: لَوْ قِيلَ سَكْرَى عَلَى أَن الْجَمْعَ يَقَعُ عَلَيْهِ التأْنيث فَيَكُونُ كَالْوَاحِدَةِ كَانَ وَجْهًا؛ وأَنشد بَعْضُهُمْ:

أَضْحَتْ بنو عامرٍ غَضْبَى أُنُوفُهُمُ، ... إِنِّي عَفَوْتُ، فَلا عارٌ وَلَا باسُ

وَقَوْلُهُ تَعَالَى: لَا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى

؛ قَالَ ثَعْلَبٌ: إِنما قِيلَ هَذَا قَبْلَ أَن يَنْزِلَ تَحْرِيمُ الْخَمْرِ، وَقَالَ غَيْرُهُ: إِنما عَنَى هُنَا سُكْرَ النَّوْمِ، يَقُولُ: لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ رَوْبَى. ورَجُلٌ سِكِّيرٌ: دَائِمُ السُّكر. ومِسْكِيرٌ وسَكِرٌ وسَكُورٌ: كَثِيرُ السُّكْرِ؛ الأَخيرة عَنِ ابْنِ الأَعرابي، وأَنشد لعمرو ابن قَمِيئَةَ:

يَا رُبَّ مَنْ أَسْفاهُ أَحلامُه ... أَن قِيلَ يَوْمًا: إِنَّ عَمْراً سَكُورْ

وَجَمْعُ السَّكِر سُكَارَى كَجَمْعِ سَكرْان لِاعْتِقَابِ فَعِلٍ وفَعْلان كَثِيرًا عَلَى الْكَلِمَةِ الْوَاحِدَةِ. وَرَجُلٌ سِكِّيرٌ: لَا يَزَالُ سكرانَ، وَقَدْ أَسكره الشَّرَابُ. وتساكَرَ الرجلُ: أَظهر السُّكْرَ وَاسْتَعْمَلَهُ؛ قَالَ الْفَرَزْدَقَ:

أَسَكْرَان كانَ ابْنُ المَرَاغَةِ إِذ هَجَا ... تَمِيماً، بِجَوْفِ الشَّامِ، أَم مُتَساكِرُ؟

تَقْدِيرُهُ: أَكان سَكْرَانَ ابْنُ الْمَرَاغَةِ فَحَذَفَ الْفِعْلَ الرَّافِعَ وَفَسَّرَهُ بِالثَّانِي فَقَالَ: كَانَ ابْنُ الْمَرَاغَةِ؛ قَالَ سِيبَوَيْهِ: فَهَذَا إِنشاد بَعْضِهِمْ وأَكثرهم يَنْصِبُ السَّكْرَانَ وَيَرْفَعُ الْآخَرَ عَلَى قَطْعٍ وَابْتِدَاءٍ، يُرِيدُ أَن بَعْضَ الْعَرَبِ يَجْعَلُ اسْمَ كَانَ سَكْرَانُ وَمُتَسَاكِرُ وَخَبَرَهَا ابْنَ الْمَرَاغَةِ؛ وَقَوْلُهُ: وأَكثرهم يَنْصِبُ السَّكْرَانَ وَيَرْفَعُ الْآخَرَ عَلَى قَطْعٍ وَابْتِدَاءٍ يُرِيدُ أَن سَكْرَانَ خَبَرُ كَانَ مُضْمَرَةٍ تَفْسِيرُهَا هَذِهِ الْمُظْهَرَةُ، كأَنه قَالَ: أَكان سَكْرَانَ ابْنُ الْمَرَاغَةِ، كَانَ سَكْرَانَ وَيَرْفَعُ مُتَسَاكِرُ عَلَى أَنه خَبَرُ ابْتِدَاءٍ مُضْمَرٍ، كأَنه قَالَ: أَم هُوَ مُتَسَاكِرٌ. وَقَوْلُهُمْ: ذَهَبَ بَيْنَ الصَّحْوَة والسَّكْرَةِ إِنما هُوَ بَيْنَ أَن يَعْقِلَ وَلَا يَعْقِلَ. والمُسَكَّرُ: الْمَخْمُورُ؛ قَالَ الْفَرَزْدَقُ:

أَبا حاضِرٍ، مَنْ يَزْنِ يُعْرَفْ زِناؤُهُ، ... ومَنْ يَشرَبِ الخُرْطُومَ، يُصْبِحْ مُسَكَّرا

وسَكْرَةُ الْمَوْتِ: شِدَّتُهُ. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: وَجاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِ

؛ سَكْرَةُ الْمَيِّتِ غَشْيَتُه الَّتِي تَدُلُّ الإِنسان عَلَى أَنه مَيِّتٌ. وَقَوْلُهُ بِالْحَقِّ أَي بِالْمَوْتِ الْحَقِّ. قَالَ ابْنُ الأَعرابي: السَّكْرَةُ الغَضْبَةُ. والسَّكْرَةُ: غَلَبَةُ اللَّذَّةِ عَلَى الشَّبَابِ. والسَّكَرُ: الْخَمْرُ نَفْسُهَا. والسَّكَرُ: شَرَابٌ يُتَّخَذُ مِنَ التَّمْرِ والكَشُوثِ والآسِ، وَهُوَ مُحَرَّمٌ كَتَحْرِيمِ الْخَمْرِ. وَقَالَ أَبو حَنِيفَةَ: السَّكَرُ يُتَّخَذُ مِنَ التَّمْرِ والكُشُوث يُطْرَحَانِ سَافًا سَافًا وَيَصُبُّ عَلَيْهِ الْمَاءَ. قَالَ: وَزَعَمَ زَاعِمٌ أَنه رُبَّمَا خُلِطَ بِهِ الْآسُ فَزَادَهُ شِدَّةً.

<<  <  ج: ص:  >  >>