وَقَالَ الْمُفَسِّرُونَ فِي السَّكَرِ الَّذِي فِي التَّنْزِيلِ: إِنه الخَلُّ وَهَذَا شَيْءٌ لَا يَعْرِفُهُ أَهل اللُّغَةِ. الْفَرَّاءُ فِي قَوْلِهِ: تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً وَرِزْقاً حَسَناً
، قَالَ: هُوَ الْخَمْرُ قَبْلَ أَن يُحَرَّمَ وَالرِّزْقُ الْحَسَنُ الزَّبِيبُ والتمر وما أَشبهها. وَقَالَ أَبو عُبَيْدٍ: السَّكَرُ نقيع التَّمْرِ الَّذِي لَمْ تَمَسَّهُ النَّارُ، وَكَانَ إِبراهيم وَالشَّعْبِيُّ وأَبو رَزِينٍ يَقُولُونَ: السَّكَرُ خَمْرٌ. وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنه قَالَ: السَّكَرُ مِنَ التَّمْرِ، وَقَالَ أَبو عُبَيْدَةَ وَحْدَهُ: السَّكَرُ الطَّعَامُ؛ يَقُولُ الشَّاعِرُ:
جَعَلْتَ أَعْرَاضَ الكِرامِ سَكَرا
أَي جعلتَ ذَمَّهم طُعْماً لَكَ. وَقَالَ الزَّجَّاجُ: هَذَا بِالْخَمْرِ أَشبه مِنْهُ بِالطَّعَامِ؛ الْمَعْنَى: جَعَلْتَ تَتَخَمَّرُ بأَعراض الْكِرَامِ، وَهُوَ أَبين مِمَّا يُقَالُ لِلَّذِي يَبْتَرِكُ فِي أَعراض النَّاسِ. وَرَوَى
الأَزهري عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي هَذِهِ الْآيَةِ قَالَ: السَّكَرُ مَا حُرِّمَ مِنْ ثَمَرَتها، وَالرِّزْقُ مَا أُحِلَّ مِنْ ثَمَرَتِهَا.
ابْنُ الأَعرابي: السَّكَرُ الغَضَبُ؛ والسَّكَرُ الِامْتِلَاءُ، والسَّكَرُ الْخَمْرُ، والسَّكَرُ النَّبِيذُ؛ وَقَالَ جَرِيرٌ:
إِذا رَوِينَ عَلَى الخِنْزِيرِ مِن سَكَرٍ ... نادَيْنَ: يَا أَعْظَمَ القِسِّينَ جُرْدَانَا
وَفِي الْحَدِيثِ:
حُرِّمَتِ الخمرُ بِعَيْنِهَا والسَّكَرُ مِنْ كُلِّ شَرَابٍ
؛ السَّكَر، بِفَتْحِ السِّينِ وَالْكَافِ: الْخَمْرُ المُعْتَصَرُ مِنَ الْعِنَبِ؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: هَكَذَا رَوَاهُ الأَثبات، ومنهم مَنْ يَرْوِيهِ بِضَمِّ السِّينِ وَسُكُونِ الْكَافِ، يُرِيدُ حَالَةَ السَّكْرَانِ فَيَجْعَلُونَ التَّحْرِيمَ للسُّكْرِ لَا لِنَفْسِ المُسْكِرِ فَيُبِيحُونَ قَلِيلَهُ الَّذِي لَا يُسْكِرُ، وَالْمَشْهُورُ الأَول، وَقِيلَ: السَّكَرُ، بِالتَّحْرِيكِ، الطَّعَامُ؛ وأَنكر أَهل اللُّغَةِ هَذَا وَالْعَرَبُ لَا تَعْرِفُهُ. وَفِي حَدِيثِ
أَبي وَائِلٍ: أَن رَجُلًا أَصابه الصَّقَرُ فَبُعِثَ لَهُ السَّكَرُ فَقَالَ: إِن اللَّهَ لَمْ يَجْعَلْ شِفَاءَكُمْ فِيمَا حَرُمَ عَلَيْكُمْ.
والسَّكَّار: النَّبَّاذُ. وسَكْرَةُ الْمَوْتِ: غَشْيَتُه، وَكَذَلِكَ سَكْرَةُ الهَمِّ وَالنَّوْمِ وَنَحْوُهُمَا؛ وَقَوْلُهُ:
فجاؤونا بِهِمْ، سُكُرٌ عَلَيْنَا، ... فَأَجْلَى اليومُ، والسَّكْرَانُ صَاحِي
أَراد سُكْرٌ فأَتبع الضَّمَّ الضَّمَّ لِيَسْلَمَ الْجَزْءُ مِنَ الْعَصْبِ، وَرَوَاهُ يَعْقُوبُ سَكَرٌ. وَقَالَ اللِّحْيَانِيُّ: وَمَنْ قَالَ سَكَرٌ عَلَيْنَا فَمَعْنَاهُ غَيْظٌ وَغَضَبٌ. ابْنُ الأَعرابي: سَكِرَ مِنَ الشَّرَابِ يَسْكَرُ سُكْراً، وسَكِرَ من الغضب يَسْكَرُ سَكَراً إِذا غَضِبَ، وأَنشد الْبَيْتَ. وسُكِّرَ بَصَرُه: غُشِيَ عَلَيْهِ. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: لَقالُوا إِنَّما سُكِّرَتْ أَبْصارُنا
؛ أَي حُبِسَتْ عَنِ النَّظَرِ وحُيِّرَتْ. وَقَالَ أَبو عَمْرِو بْنُ الْعَلَاءِ: مَعْنَاهَا غُطِّيَتْ وغُشِّيَتْ، وقرأَها الْحَسَنُ مُخَفَّفَةً وَفَسَّرَهَا: سُحِرَتْ. التَّهْذِيبِ: قُرِئَ سُكِرت وسُكِّرت، بِالتَّخْفِيفِ وَالتَّشْدِيدِ، وَمَعْنَاهُمَا أُغشيت وسُدّت بالسِّحْرِ فَيَتَخَايَلُ بأَبصارنا غَيْرَ مَا نَرَى. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: سُكِّرَتْ أَبصارنا أَي سُدَّت؛ قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: يَذْهَبُ مُجَاهِدٌ إِلى أَن الأَبصار غَشِيَهَا مَا مَنَعَهَا مِنَ النَّظَرِ كَمَا يَمْنَعُ السَّكْرُ الْمَاءَ مِنَ الْجَرْيِ، فَقَالَ أَبو عُبَيْدَةَ: سُكِّرَتْ أَبصار الْقَوْمِ إِذا دِيرَ بِهِم وغَشِيَهُم كالسَّمادِيرِ فَلَمْ يُبْصِرُوا؛ وَقَالَ أَبو عَمْرِو بْنُ الْعَلَاءِ: سُكِّرَتْ أَبصارُنا مأْخوذ مِنْ سُكْرِ الشَّرَابِ كأَن الْعَيْنَ لَحِقَهَا مَا يَلْحَقُ شَارِبَ المُسكِرِ إِذا سكِرَ؛ وَقَالَ الْفَرَّاءُ: مَعْنَاهُ حُبِسَتْ وَمُنِعَتْ مِنَ النَّظَرِ. الزَّجَّاجُ: يُقَالُ سَكَرَتْ عَيْنُه تَسْكُرُ إِذا تَحَيَّرَتْ وسَكنت عَنِ النَّظَرِ، وسكَرَ الحَرُّ يَسْكُرُ؛ وأَنشد:
جَاءَ الشِّتاءُ واجْثَأَلَّ القُبَّرُ، ... وجَعَلَتْ عينُ الحَرُورِ تَسْكُرُ