للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لَهَا قدْراً مَحْدُودًا. وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَما يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتابٍ

؛ فُسِّرَ عَلَى وَجْهَيْنِ، قَالَ الْفَرَّاءُ: مَا يُطَوَّلُ مِن عُمُرِ مُعَمَّر وَلَا يُنْقَص مِنْ عُمُرِه، يُرِيدُ الْآخَرَ غَيْرَ الأَول ثُمَّ كَنَّى بِالْهَاءِ كأَنه الأَول؛ وَمِثْلُهُ فِي الْكَلَامِ: عِنْدِي دِرْهَمٌ ونصفُه؛ الْمَعْنَى وَنِصْفٌ آخَرُ، فَجَازَ أَن تَقُولَ نَصِفُهُ لأَن لَفْظَ الثَّانِي قَدْ يَظْهَرُ كَلَفْظِ الأَول فكُنِيَ عَنْهُ كَكِنَايَةِ الأَول؛ قَالَ: وَفِيهَا قَوْلٌ آخَرُ: مَا يُعَمَّر مِن مُعَمَّرٍ وَلَا يُنْقَص مِن عُمُرِه، يَقُولُ: إِذا أَتى عَلَيْهِ الليلُ، وَالنَّهَارُ نَقْصًا مِنْ عُمُرِه، وَالْهَاءُ فِي هَذَا الْمَعْنَى للأَول لَا لِغَيْرِهِ لأَن الْمَعْنَى مَا يُطَوَّل وَلَا يُذْهَب مِنْهُ شَيْءٌ إِلا وَهُوَ مُحْصًى فِي كِتَابٍ، وكلٌّ حَسَنٌ، وكأَن الأَول أَشبه بِالصَّوَابِ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَالثَّانِي قَوْلُ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ. والعُمْرَى: مَا تَجْعَلُهُ لِلرَّجُلِ طولَ عُمُرِك أَو عُمُرِه. وَقَالَ ثَعْلَبٌ: العُمْرَى أَن يَدْفَعَ الرَّجُلُ إِلى أَخيه دَارًا فَيَقُولُ: هَذِهِ لَكَ عُمُرَك أَو عُمُرِي، أَيُّنا مَاتَ دُفِعَت الدَّارُ إِلى أَهله، وَكَذَلِكَ كَانَ فعلُهم فِي الْجَاهِلِيَّةِ. وَقَدْ عَمَرْتُه أَياه وأَعْمَرْته: جعلتُه لَهُ عُمُرَه أَو عُمُرِي؛ والعُمْرَى المصدرُ مِنْ كُلِّ ذَلِكَ كالرُّجْعَى. وَفِي الْحَدِيثِ:

لَا تُعْمِرُوا وَلَا تُرْقِبُوا، فَمَنْ أُعْمِرَ دَارًا أَو أُرْقِبَها فَهِيَ لَهُ وَلِوَرَثَتِهِ مِنْ بَعْدِهِ

، وَهِيَ العُمْرَى والرُّقْبَى. يُقَالُ: أَعْمَرْتُه الدَّارَ عمْرَى أَي جَعَلْتُهَا لَهُ يَسْكُنُهَا مُدَّةَ عُمره فإِذا مَاتَ عَادَتْ إِليَّ، وَكَذَلِكَ كَانُوا يَفْعَلُونَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فأَبطل ذَلِكَ، وأَعلمهم أَن مَنْ أُعْمِرَ شَيْئًا أَو أُرْقِبَه فِي حَيَاتَهُ فَهُوَ لِوَرَثَتِهِ مِن بَعْدَهُ. قَالَ ابْنُ الأَثير: وَقَدْ تَعَاضَدَتِ الرِّوَايَاتُ عَلَى ذَلِكَ والفقهاءُ فِيهَا مُخْتَلِفُونَ: فَمِنْهُمْ مَنْ يَعْمَلُ بِظَاهِرِ الْحَدِيثِ وَيَجْعَلُهَا تَمْلِيكًا، وَمِنْهُمْ مَنْ يَجْعَلُهَا كَالْعَارِيَةِ ويتأَول الْحَدِيثَ. قَالَ الأَزهري: والرُّقْبى أَن يَقُولَ الَّذِي أُرْقِبَها: إِن مُتَّ قَبْلِي رجعَتْ إِليَّ، وإِن مُتُّ قَبْلَكَ فَهِيَ لَكَ. وأَصل العُمْرَى مأَخوذ مِنَ العُمْر وأَصل الرُّقْبَى مِنَ المُراقبة، فأَبطل النَّبِيُّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، هَذِهِ الشُّرُوطَ وأَمْضَى الْهِبَةَ؛ قَالَ: وَهَذَا الْحَدِيثُ أَصل لِكُلِّ مَنْ وَهَبَ هِبَة فَشَرَطَ فِيهَا شرطاً بعد ما قَبَضَهَا الْمَوْهُوبُ لَهُ أَن الْهِبَةَ جَائِزَةٌ وَالشَّرْطَ بَاطِلٌ؛ وَفِي الصِّحَاحِ: أَعْمَرْتُه دَارًا أَو أَرضاً أَو إِبِلًا؛ قَالَ لَبِيدٌ:

وَمَا البِرّ إِلَّا مُضْمَراتٌ مِنَ التُقَى، ... وَمَا المالُ إِلا مُعْمَراتٌ وَدائِعُ

وَمَا المالُ والأَهْلُون إِلا وَدائِعٌ، ... وَلَا بُدَّ يَوْمًا أَن تُرَدَّ الوَدائِعُ

أَي مَا البِرُّ إِلا مَا تُضْمره وَتُخْفِيهِ فِي صَدْرِكَ. وَيُقَالُ: لَكَ فِي هَذِهِ الدَّارِ عُمْرَى حَتَّى تَمُوتَ. وعُمْرِيُّ الشجرِ: قديمُه، نُسِبَ إِلى العُمْر، وَقِيلَ: هُوَ العُبْرِيّ مِنَ السِّدْرِ، وَالْمِيمُ بَدَلٌ. الأَصمعي: العُمْرِيّ والعُبْرِيّ مِنَ السِّدْر الْقَدِيمِ، عَلَى نَهْرٍ كَانَ أَو غَيْرِهِ، قَالَ: والضّالُ الحديثُ مِنْهُ؛ وأَنشد قَوْلَ ذِي الرُّمَّةِ:

قَطَعْتُ، إِذا تَجَوَّفت العَواطِي، ... ضُروبَ السِّدْر عُبْرِيّاً وَضَالَا «٢»

. وَقَالَ: الظِّبَاءُ لَا تَكْنِس بِالسِّدْرِ النَّابِتِ عَلَى الأَنهار. وَفِي حَدِيثِ

مُحَمَّدِ بْنِ مَسْلمة ومُحارَبتِه مَرْحَباً قَالَ الرَّاوِي «٣» لِحَدِيثِهِمَا. مَا رأَيت حَرْباً بَيْنَ رَجُلَيْنِ قَطُّ قَبْلَهُمَا مثلَهما، قَامَ كلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إِلى صَاحِبِهِ عِنْدَ شَجَرَةٍ عُمْرِيَّة، فَجَعَلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يلوذ بها من


(٢). قوله: [إِذا تجوفت] كذا بالأَصل هنا بالجيم، وتقدم لنا في مادة عبر بالخاء وهو بالخاء في هامش النهاية وشارح القاموس
(٣). قوله: [قال الراوي] بهامش الأَصل ما نصه قلت راوي هذا الحديث جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الأَنصاري كما قاله الصاغاني كتبه محمد مرتضى

<<  <  ج: ص:  >  >>