للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَقَالَ أَبو عُبَيْدٍ: الغَرير المَغْرور. وَفِي حَدِيثِ سارِق أَبي بَكْرٍ، رَضِيَ اللَّه عَنْهُ:

عَجِبْتُ مِن غِرّتِه بِاللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ

أَي اغترارِه. والغَرارة مِنَ الغِرِّ، والغِرّة مِنَ الْغَارِّ، والتَّغرّة مِنَ التَّغْرير، وَالْغَارُّ: الْغَافِلُ. التَّهْذِيبُ: وَفِي حَدِيثِ

عُمَرَ، رَضِيَ اللَّه عَنْهُ: أَيّما رَجُلٍ بايعَ آخَرَ عَلَى مَشُورَةٍ «١». فإِنه لَا يُؤَمَّرُ واحدٌ مِنْهُمَا تَغرَّةَ أَن يُقْتَلا

؛ التَّغرَّة مَصْدَرُ غَرَرْته إِذا أَلقيته فِي الغَرَر وَهُوَ مِنَ التَّغْرير كالتَّعِلّة مِنَ التَّعْلِيلِ؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: وَفِي الْكَلَامِ مُضَافٌ مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ خَوْفَ تَغرَّةٍ فِي أَن يُقْتَلا أَي خَوْفَ وُقُوعِهِمَا فِي الْقَتْلِ فحَذَف المضافَ الَّذِي هُوَ الْخَوْفُ وأَقام الْمُضَافَ إِليه الذي هو ثَغِرّة مُقَامَهُ، وَانْتَصَبَ عَلَى أَنه مَفْعُولٌ لَهُ، وَيَجُوزُ أَن يَكُونَ قَوْلُهُ أَن يُقْتَلا بَدَلًا مِنْ تَغِرّة، وَيَكُونَ الْمُضَافُ مَحْذُوفًا كالأَول، وَمَنْ أَضاف ثَغِرّة إِلى أَن يُقْتَلا فَمَعْنَاهُ خَوْفَ تَغِرَّةِ قَتْلِهما؛ وَمَعْنَى الْحَدِيثِ: أَن الْبَيْعَةَ حَقُّهَا أَن تَقَعَ صَادِرَةً عَنِ المَشُورة والاتفاقِ، فإِذا اسْتبدَّ رَجُلَانِ دُونَ الْجَمَاعَةِ فبايَع أَحدُهما الآخرَ، فَذَلِكَ تَظاهُرٌ مِنْهُمَا بشَقّ الْعَصَا واطِّراح الْجَمَاعَةِ، فإِن عُقدَ لأَحد بيعةٌ فَلَا يَكُونُ المعقودُ لَهُ وَاحِدًا مِنْهُمَا، وليْكونا مَعْزُولَيْنِ مِنَ الطَّائِفَةِ الَّتِي تَتَّفِقُ عَلَى تَمْيِيزِ الإِمام مِنْهَا، لأَنه لَوْ عُقِد لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا وَقَدِ ارْتَكَبَا تِلْكَ الفَعْلة الشَّنِيعَةَ الَّتِي أَحْفَظَت الْجَمَاعَةَ مِنَ التهاوُن بِهِمْ وَالِاسْتِغْنَاءِ عَنْ رأْيهم، لَمْ يُؤْمَن أَن يُقْتلا؛ هَذَا قَوْلُ ابْنِ الأَثير، وَهُوَ مُخْتَصَرُ قَوْلِ الأَزهري، فإِنه يَقُولُ: لَا يُبايع الرَّجُلُ إِلا بَعْدَ مُشَاوَرَةِ الملإِ مِنْ أَشراف النَّاسِ وَاتِّفَاقِهِمْ، ثُمَّ قَالَ: وَمَنْ بَايَعَ رَجُلًا عَنْ غَيْرِ اتِّفَاقٍ مِنَ الملإِ لَمْ يؤمَّرْ واحدٌ منهما تَغرّةً بِمَكْرِ المؤمَّر مِنْهُمَا، لِئَلَّا يُقْتَلا أَو أَحدهما، ونَصب تَغِرّة لأَنه مَفْعُولٌ لَهُ وإِن شِئْتَ مَفْعُولٌ مِنْ أَجله؛ وَقَوْلُهُ: أَن يُقْتَلَا أَي حِذارَ أَن يُقْتَلَا وكراهةَ أَن يُقْتَلَا؛ قَالَ الأَزهري: وَمَا عَلِمْتُ أَحداً فَسَّرَ مِنْ حَدِيثِ

عُمَرَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، مَا فَسَّرْتُهُ، فَافْهَمْهُ.

والغَرِير: الْكَفِيلُ. وأَنا غَرِير فُلَانٍ أَي كَفِيلُهُ. وأَنا غَرِيرُك مِنْ فُلَانٍ أَي أُحذِّرُكَه، وَقَالَ أَبو نَصْرٍ فِي كِتَابِ الأَجناس: أَي لَنْ يأْتيك مِنْهُ مَا تَغْتَرُّ بِهِ، كأَنه قَالَ: أَنا الْقَيِّمُ لَكَ بِذَلِكَ. قَالَ أَبو مَنْصُورٍ: كأَنه قَالَ أَنا الْكَفِيلُ لَكَ بِذَلِكَ؛ وأَنشد الأَصمعي فِي الغَرِير الْكَفِيلِ رَوَاهُ ثَعْلَبٌ عَنْ أَبي نَصْرٍ عَنْهُ قَالَ:

أَنت لخيرِ أُمّةٍ مُجيرُها، ... وأَنت مِمَّا سَاءَهَا غَرِيرُها

أَبو زَيْدٍ فِي كِتَابِ الأَمثال قَالَ: وَمِنْ أَمثالهم فِي الخِبْرة وَالْعِلْمِ: أَنا غَرِيرُك مِنْ هَذَا الأَمر أَي اغْترَّني فَسَلْنِي مِنْهُ عَلَى غِرّةٍ أَي أَني عَالِمٌ بِهِ، فَمَتَى سأَلتني عَنْهُ أَخبرتك بِهِ مِنْ غَيْرِ اسْتِعْدَادٍ لِذَلِكَ وَلَا روِيّة فِيهِ. وَقَالَ الأَصمعي فِي هَذَا الْمَثَلِ: مَعْنَاهُ أَنك لستَ بِمَغْرُورٍ مِنِّي لكنِّي أَنا المَغْرور، وَذَلِكَ أَنه بَلَغَنِي خبرٌ كَانَ بَاطِلًا فأَخْبَرْتُك بِهِ، وَلَمْ يَكُنْ عَلَى مَا قلتُ لَكَ وإِنما أَدَّيت مَا سمعتُ. وَقَالَ أَبو زَيْدٍ: سَمِعْتُ أَعرابيا يَقُولُ لِآخَرَ: أَنا غَرِيرُكَ مِن تقولَ ذَلِكَ، يَقُولُ مِنْ أَن تَقُولَ ذَلِكَ، قَالَ: وَمَعْنَاهُ اغْترَّني فسَلْني عَنْ خَبَرِهِ فإِني عَالِمٌ بِهِ أُخبرك عَنْ أَمْرِهِ عَلَى الْحَقِّ وَالصِّدْقِ. قَالَ: الغُرور الْبَاطِلُ؛ وَمَا اغْتَرَرْتَ بِهِ مِنْ شَيْءٍ، فَهُوَ غَرُور. وغَرَّرَ بِنَفْسِهِ ومالِه تَغْريراً وتَغِرّةً: عرَّضهما للهَلَكةِ مِنْ غَيْرِ أَن يَعْرِف، وَالِاسْمُ الغَرَرُ، والغَرَرُ الخَطَرُ. وَنَهَى رَسُولُ اللَّه، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَنِ بَيْعِ الغَرَرِ


(١). قوله [على مشورة] هو هكذا في الأَصل، ولعله على غير مشورة. وفي النهاية بايع آخر فانه لا يؤمر إلخ

<<  <  ج: ص:  >  >>