للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: الْمَشْهُورُ فِي بَيْتِ امْرِئِ الْقَيْسِ:

وأَوجُههم عِنْدَ المَشاهِد غُرّانُ

أَي إِذَا اجْتَمَعُوا لِغُرْم حَمالةٍ أَو لإِدارة حَرْب وجدتَ وُجُوهَهُمْ مُسْتَبْشِرَةً غَيْرَ مُنْكَرَةٍ، لأَن اللَّئِيمَ يَحْمَرُّ وجهه عندها يُسَائِلُهُ السَّائِلُ، وَالْكَرِيمُ لَا يَتَغَيَّرُ وجهُه عَنْ لَوْنِهِ قَالَ: وَهَذَا الْمَعْنَى هُوَ الَّذِي أَراده مَنْ رَوَى بِيضُ الْمَسَافِرِ. وَقَوْلُهُ: ثِيَابُ بَنِي عَوْفٍ طهارَى، يُرِيدُ بِثِيَابِهِمْ قُلُوبَهُمْ؛ وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ. وَفِي الْحَدِيثِ:

غُرٌّ مُحَجَّلُونَ مِنْ آثارِ الوُضوء

؛ الغُرُّ: جَمْعُ الأَغَرّ مِنَ الغُرّة بياضِ الْوَجْهِ، يُرِيدُ بياضَ وُجُوهِهِمْ بِنُورِ الوُضوء يَوْمَ الْقِيَامَةِ؛ وَقَوْلُ أُمّ خَالِدٍ الخَثْعَمِيّة:

ليَشْرَبَ مِنْهُ جَحْوَشٌ، ويَشِيمهُ ... بِعَيْني قُطامِيٍّ أَغَرّ شَآمِي

يَجُوزُ أَن تَعْنِيَ قُطَامِيًّا أَبيض، وإِن كَانَ الْقُطَامِيُّ قَلَّمَا يُوصَفُ بالأَغَرّ، وَقَدْ يَجُوزُ أَن تَعْنِيَ عنُقَه فَيَكُونُ كالأَغَرّ بَيْنَ الرِّجَالِ، والأَغَرُّ مِنَ الرِّجَالِ: الَّذِي أَخَذت اللحيَةُ جميعَ وَجْهِهِ إِلا قَلِيلًا كأَنه غُرّة؛ قَالَ عَبِيدُ بْنُ الأَبرص:

ولقد تُزانُ بك المَجالِسُ، ... لَا أَغَرّ وَلَا عُلاكزْ «٢»

. وغُرّة الشَّيْءِ: أَوله وأَكرمُه. وَفِي الْحَدِيثِ

: مَا أَجدُ لِمَا فَعَل هَذَا فِي غُرَّةِ الإِسلام مَثَلًا إِلا غَنَمًا وَرَدَتْ فرُمِيَ أَوّلُها فنَفَر آخِرُها

؛ وغُرّة الإِسلام: أَوَّلُه. وغُرَّة كُلِّ شَيْءٍ: أَوله. والغُرَرُ: ثَلَاثُ لَيَالٍ مِنْ أَول كُلِّ شَهْرٍ. وغُرّةُ الشَّهْرِ: ليلةُ اسْتِهْلَالِ الْقَمَرِ لِبَيَاضِ أَولها، وَقِيلَ: غُرّةُ الْهِلَالِ طَلْعَتُه، وَكُلُّ ذَلِكَ مِنَ الْبَيَاضِ. يُقَالُ: كَتَبْتُ غُرّةَ شَهْرِ كَذَا. وَيُقَالُ لِثَلَاثِ لَيَالٍ مِنَ الشَّهْرِ: الغُرَر والغُرُّ، وَكُلُّ ذَلِكَ لِبَيَاضِهَا وَطُلُوعِ الْقَمَرِ فِي أَولها، وَقَدْ يُقَالُ ذَلِكَ للأَيام. قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: قَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ وَلَا اثْنَيْنِ: يُقَالُ لِثَلَاثِ لَيَالٍ مِنْ أَول الشَّهْرِ: ثَلَاثُ غُرَر، وَالْوَاحِدَةُ غُرّة، وَقَالَ أَبو الْهَيْثَمِ: سُمِّين غُرَراً وَاحِدَتُهَا غُرّة تَشْبِيهًا بغُرّة الْفَرَسِ فِي جَبْهَتِهِ لأَن الْبَيَاضَ فِيهِ أَول شَيْءٍ فِيهِ، وَكَذَلِكَ بَيَاضُ الْهِلَالِ فِي هَذِهِ اللَّيَالِي أَول شَيْءٍ فِيهَا. وَفِي الْحَدِيثِ:

فِي صَوْمِ الأَيام الغُرِّ؛

أَي الْبِيضِ اللَّيَالِي بِالْقَمَرِ. قَالَ الأَزهري: وأَما اللَّيالي الغُرّ الَّتِي أَمر النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ، بِصَوْمِهَا فَهِيَ لَيْلَةُ ثلاثَ عَشْرةَ وأَربعَ عَشْرةَ وخمسَ عَشْرةَ، وَيُقَالُ لَهَا الْبِيضُ، وأَمر النَّبِيُّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِصَوْمِهَا لأَنه خَصَّهَا بِالْفَضْلِ؛ وَفِي قَوْلِ الأَزهري: اللَّيَالِي الغُرّ الَّتِي أَمر النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِصَوْمِهَا نَقْدٌ وَكَانَ حقُّه أَن يَقُولَ بِصَوْمِ أَيامها فإِن الصِّيَامَ إِنما هُوَ للأَيام لَا لِلَّيَالِي، وَيَوْمٌ أَغَرُّ: شَدِيدُ الْحَرِّ؛ وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ: هَاجِرَةٌ غَرّاء ووَدِيقة غَرّاء؛ وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:

أَغَرّ كَلَوْنِ المِلْحِ ضاحِي تُرابه، ... إِذَا اسْتَوْدَقَت حِزانُه وضياهِبُه «٣»

. قَالَ وَأَنْشَدَ أَبو بَكْرٍ:

مِنْ سَمُومٍ كأَنّها لَفحُ نارٍ، ... شَعْشَعَتْها ظَهيرةٌ غَرّاء

وَيُقَالُ: وَدِيقة غَرّاء شَدِيدَةُ الْحَرِّ؛ قَالَ:

وَهَاجِرَةٌ غَرّاء قاسَيْتُ حَرّها ... إِلَيْكَ، وجَفْنُ العينِ بالماء سابحُ «٤».


(٢). قوله [ولا علاكز] هكذا هو في الأَصل فلعله علاكد، بالدال بلد الزاي
(٣). قوله [وضياهبه] هو جمع ضيهب كصيقل، وهو كُلُّ قُفٍّ أَوْ حَزْنٍ أَوْ مَوْضِعٍ مِنَ الْجَبَلِ تَحْمَى عَلَيْهِ الشَّمْسُ حَتَّى يشوى عليه اللحم. لكن الذي في الأساس: سباسبه، وهي جمع سبسب بمعنى المفازة
(٤). قوله [بالماء] رواية الأساس: في الماء

<<  <  ج: ص:  >  >>