عدَل عَنِ الجادَّة المأْلوفة وتَنَكَّب بالأَجْمال الطَّريقَ المَنْهَج، وأَخذ عَلَى الغُوَيْر فأَحسَّت الشرَّ وَقَالَتْ: عَسَى الغُوَيْر أَبؤُسا، جَمْعُ بأْس، أَي عَساه أَن يأْتي بالبأْس والشرِّ، وَمَعْنَى عَسَى هَاهُنَا مَذْكُورٌ فِي مَوْضِعِهِ. وَقَالَ ابْنُ الأَثير فِي المَنْبُوذ الَّذِي قَالَ لَهُ عُمَرُ: عَسَى الغُوَيْر أَبؤُسا، قَالَ: هَذَا مثَل قَدِيمٌ يُقَالُ عِنْدَ التُّهَمة، والغُوَيْر تَصْغِيرُ غَارٍ، وَمَعْنَى المثَل: رُبَّمَا جَاءَ الشَّرُّ مِنْ مَعْدن الْخَيْرِ، وأَراد عُمَرُ بالمثَل لعلَّك زَنَيت بأُمِّه وَادَّعَيْتَهُ لَقِيطاً، فَشَهِدَ لَهُ جَمَاعَةٌ بالسَّتْر فَتَرَكَهُ. وَفِي حَدِيثِ
يَحْيَى بْنِ زَكَرِيَّا، عَلَيْهِمَا السَّلَامُ: فَسَاحَ ولَزِم أَطراف الأَرض وغِيرانَ الشِّعاب
؛ الغِيران جَمْعُ غارٍ وَهُوَ الكَهْف، وَانْقَلَبَتِ الْوَاوُ يَاءً لِكَسْرَةِ الْغَيْنِ. وأَما مَا وَرَدَ فِي حَدِيثِ
عُمَرَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَهاهنا غُرْت
، فَمَعْنَاهُ إِلى هَذَا ذَهَبْتَ، واللَّه أَعلم.
غير: التَّهْذِيبُ: غَيْرٌ مِنْ حُرُوفِ الْمَعَانِي، تَكُونُ نَعْتًا وَتَكُونُ بِمَعْنَى لَا، وَلَهُ بَابٌ عَلَى حِدَة. وَقَوْلُهُ: مَا لَكُمْ لَا تَناصَرُونَ؛ الْمَعْنَى مَا لَكَمَ غَيْرُ مُتَناصرين. وَقَوْلُهُمْ: لَا إِلَه غيرُك، مَرْفُوعٌ عَلَى خَبَرِ التَّبْرِئة، قَالَ: وَيَجُوزُ لَا إِله غيرَك بِالنَّصْبِ أَي لَا إِله إِلَّا أَنت، قَالَ: وكلَّما أَحللت غَيْرًا مَحَلَّ إِلا نَصَبْتَهَا، وأَجاز الْفَرَّاءُ: مَا جَاءَنِي غيرُك عَلَى مَعْنَى مَا جَاءَنِي إِلا أَنت؛ وأَنشد:
لَا عَيْبَ فِيهَا غيرُ شُهْلَة عَيْنِها
وَقِيلَ: غَيْرٌ بِمَعْنَى سِوَى، وَالْجَمْعُ أَغيار، وَهِيَ كَلِمَةٌ يُوصَفُ بِهَا وَيُسْتَثْنَى، فإِن وَصَفْتَ بِهَا أَتبعتها إِعراب مَا قَبْلَهَا، وإِن اسْتَثْنَيْتَ بِهَا أَعربتها بالإِعراب الَّذِي يَجِبُ لِلِاسْمِ الْوَاقِعِ بَعْدَ إِلا، وَذَلِكَ أَن أَصل غَيْرَ صِفَةٌ وَالِاسْتِثْنَاءُ عَارِضٌ؛ قَالَ الْفَرَّاءُ: بَعْضُ بَنِي أَسد وقُضاعة يَنْصِبُونَ غَيْرًا إِذا كَانَ فِي مَعْنَى إِلَّا، تمَّ الْكَلَامُ قَبْلَهَا أَو لَمْ يَتِمَّ، يَقُولُونَ: مَا جَاءَنِي غيرَك وَمَا جَاءَنِي أَحد غيرَك، قَالَ: وَقَدْ تَكُونُ بِمَعْنَى لَا فَتَنْصِبُهَا عَلَى الْحَالِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ*
، كأَنه تَعَالَى قَالَ: فمنِ اضْطُرَّ خَائِفًا لَا بَاغِيًا. وَكَقَوْلِهِ تَعَالَى: غَيْرَ ناظِرِينَ إِناهُ
، وَقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ
. التَّهْذِيبُ: غَيْرٌ تَكُونُ اسْتِثْنَاءً مِثْلُ قَوْلِكَ هَذَا دِرْهَمٌ غيرَ دَانَقٍ، مَعْنَاهُ إِلا دَانِقًا، وَتَكُونُ غَيْرٌ اسْمًا، تَقُولُ: مَرَرْتُ بِغَيْرِكَ وَهَذَا غَيْرُكَ. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ
؛ خُفِضَتْ غَيْرٌ لأَنها نَعْتٌ لِلَّذِينِ جَازَ أَن تَكُونَ نَعْتًا لِمَعْرِفَةٍ لأَن الَّذِينَ غَيْرُ مَصْمود صَمْده وإِن كَانَ فِيهِ الأَلف وَاللَّامُ؛ وَقَالَ أَبو الْعَبَّاسِ: جَعَلَ الْفَرَّاءُ الأَلف وَاللَّامَ فِيهِمَا بِمَنْزِلَةِ النَّكِرَةِ. وَيَجُوزُ أَن تَكُونَ غيرٌ نَعْتًا للأَسماء الَّتِي فِي قَوْلِهِ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ وَهِيَ غَيْرُ مَصْمود صَمْدها؛ قَالَ: وَهَذَا قول بعضهم والفراء يأْبى أَن يَكُونَ غَيْرٌ نعتاً إِلا للّذين لأَنها بِمَنْزِلَةِ النَّكِرَةِ، وَقَالَ الأَخفش: غَيْرٌ بَدل، قَالَ ثَعْلَبٌ: وَلَيْسَ بِمُمْتَنِعٍ مَا قَالَ وَمَعْنَاهُ التَّكْرِيرُ كأَنه أَراد صِرَاطَ غيرِ الْمَغْضُوبِ عَلِيهِمْ، وَقَالَ الْفَرَّاءُ: مَعْنَى غَيْرٍ مَعْنَى لَا، وَفِي مَوْضِعٍ آخَرَ قَالَ: مَعْنَى غَيْرٍ فِي قَوْلِهِ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ
مَعْنَى لَا، وَلِذَلِكَ رُدّت عَلَيْهَا لَا كَمَا تَقُولُ: فُلَانٌ غَيْرُ محسِن وَلَا مُجْمِل، قَالَ: وإِذا كَانَ غَيْرٌ بِمَعْنَى سِوى لَمْ يَجُزْ أَن يُكَرَّرَ عَلَيْهَا، أَلا تَرَى أَنه لَا يَجُوزُ أَن تَقُولَ عِنْدِي سِوَى عَبْدِ اللَّهِ وَلَا زيدٍ؟ قَالَ: وَقَدْ قَالَ مَنْ لَا يعرِف الْعَرَبِيَّةَ إِن مَعْنَى غَير هَاهُنَا بِمَعْنَى سِوَى وإِنّ لَا صِلَة؛ وَاحْتَجَّ بِقَوْلِهِ:
فِي بِئرِ لَا حُورٍ سَرَى وَمَا شَعَرْ
قَالَ الأَزهري: وَهَذَا قَوْلُ أَبي عُبَيْدَةَ، وَقَالَ أَبو زَيْدٍ: مَن نصَب قَوْلَهُ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ
فَهُوَ قطْع، وَقَالَ الزَّجَّاجُ: مَن نصَب غَيْرًا، فَهُوَ عَلَى وَجْهَيْنِ: أَحدهما الْحَالُ، وَالْآخَرُ الِاسْتِثْنَاءُ. الْفَرَّاءُ وَالزَّجَّاجُ