للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَكَذَلِكَ إِذا أَكثر الْكَلَامَ فِيمَا لَا يَنْبَغِي. وَمَعْنَى الْحَدِيثِ: لَا تَقُولُوا فُحْشاً. هَجَر يَهْجُر هَجْراً، بِالْفَتْحِ، إِذا خَلَّطَ فِي كَلَامِهِ وإِذا هَذَى. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: الْمَشْهُورُ فِي رِوَايَةِ الْبَيْتِ عِنْدَ أَكثر الرُّوَاةِ: مُبَرَّأَة الأَخلاق عِوَضًا مِنْ قَوْلِهِ: كَمَاجِدَةِ الأَعراق، وَهُوَ صِفَةٌ لِمَخْفُوضٍ قَبْلَهُ، وَهُوَ:

كأَنَّ ذِرَاعَيْهَا ذِراعَا مُدِلَّةٍ، ... بُعَيْدَ السِّبابِ، حاوَلَتْ أَن تَعَذَّرا

يَقُولُ: كأَنّ ذِرَاعَيْ هَذِهِ النَّاقَةِ فِي حُسْنِهِمَا وَحُسْنِ حَرَكَتِهِمَا ذِرَاعَا امرأَة مُدِلَّة بِحُسْنِ ذِرَاعَيْهَا أَظهرتهما بَعْدَ السِّبَابِ لِمَنْ قَالَ فِيهَا مِنَ الْعَيْبِ مَا لَيْسَ فِيهَا، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ ضَرَّتِهَا، وَمَعْنَى تعَذَّر أَي تَعتذر مِنْ سوءِ مَا رُمِيَتْ بِهِ؛ قَالَ: ورأَيت فِي الْحَاشِيَةِ بَيْتًا جُمِعَ فِيهِ هُجْر عَلَى هواجِر، وَهُوَ مِنَ الْجُمُوعِ الشَّاذَّةِ عَنِ الْقِيَاسِ كأَنه جَمْعُ هاجِرَةٍ، وَهُوَ:

وإِنَّكَ يَا عامِ بنَ فارِس قُرْزُلٍ ... مُعِيدٌ عَلَى قِيل الْخَنَا والهَواجِرِ

قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: هَذَا الْبَيْتُ لِسَلَمَةَ بْنِ الخُرْشُبِ الأَنماري يُخَاطِبُ عَامِرَ بْنَ طُفَيْلٍ. وقُرْزُلُ: اسْمُ فَرَسٍ لِلطُّفَيْلِ. وَالْمُعِيدُ: الَّذِي يُعَاوِدُ الشيءَ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ. قَالَ: وَكَانَ عُثْمَانُ بْنُ جِنِّي يَذْهَبُ إِلى أَن الْهَوَاجِرَ جَمْعُ هُجْر كَمَا ذَكَرَ غَيْرُهُ، وَيَرَى [أَنه مِنَ الْجُمُوعِ الشَّاذَّةِ كأَنَّ وَاحِدَهَا هَاجِرَةٌ]، كَمَا قَالُوا فِي جَمْعِ حَاجَةٍ حَوَائِجَ، كأَنَّ وَاحِدَهَا حَائِجَةٌ، قَالَ: وَالصَّحِيحُ فِي هَوَاجِرَ أَنها جَمْعُ هَاجِرَةٍ بِمَعْنَى الهُجْر، وَيَكُونُ مِنَ الْمَصَادِرِ الَّتِي جاءَت عَلَى فَاعِلَةٍ مِثْلَ الْعَاقِبَةِ وَالْكَاذِبَةِ وَالْعَافِيَةِ؛ قَالَ: وَشَاهَدَ هَاجِرَةً بِمَعْنَى الهُجْر قَوْلِ الشَّاعِرِ أَنشده الْمُفَضَّلُ:

إِذا مَا شئتَ نالَكَ هاجِراتِي، ... وَلَمْ أُعْمِلْ بِهِنَّ إِليك ساقِي

فَكَمَا جُمِعَ هاجِرَةٌ عَلَى هاجِرات جَمْعًا مُسَلَّماً كَذَلِكَ تُجْمَعُ هَاجِرَةٌ عَلَى هَوَاجِرَ جَمْعًا مُكَسَّرًا. وَفِي الْحَدِيثِ:

قَالُوا مَا شَأْنُه أَهَجَرَ؟

أَي اخْتَلَفَ كَلَامُهُ بِسَبَبِ الْمَرَضِ عَلَى سَبِيلِ الْاسْتِفْهَامِ، أَي هَلْ تَغَيَّرَ كَلَامُهُ وَاخْتَلَطَ لأَجل مَا بِهِ مِنَ الْمَرَضِ. قَالَ ابْنُ الأَثير: هَذَا أَحسن مَا يُقَالُ فِيهِ وَلَا يُجْعَلُ إِخباراً فَيَكُونُ إِما مِنَ الفُحْشِ أَو الهَذَيانِ، قَالَ: والقائلُ كَانَ عُمَر وَلَا يُظَنُّ بِهِ ذَلِكَ. وَمَا زَالَ ذَلِكَ هِجِّيراه وإِجْرِيَّاه وإِهْجِيراهُ وإِهْجِيراءَه، بِالْمَدِّ وَالْقَصْرِ، وهِجِّيره وأُهْجُورَتَهُ ودَأْبَه ودَيْدَنَهُ أَي دأْبه وشأْنه وَعَادَتَهُ. وَمَا عِنْدَهُ غَناءُ ذَلِكَ وَلَا هَجْراؤُه بِمَعْنًى. التَّهْذِيبُ: هِجِّيرَى الرَّجُلُ كَلَامُهُ ودأْبه وشأْنه؛ قَالَ ذُو الرُّمَّةِ:

رَمَى فأَخْطَأَ، والأَقدارُ غالِبةٌ ... فانْصَعْنَ، والويلُ هِجِّيراه والحَرَبُ

الْجَوْهَرِيُّ: الهِجِّير، مِثَالُ الفِسِّيق، الدَّأْبُ وَالْعَادَةُ، وَكَذَلِكَ الهِجِّيرى والإِهْجِيرَى. وَفِي حَدِيثِ

عُمَرَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: مَا لَهُ هِجِّيرى غَيْرُهَا

؛ هِيَ الدَّأْبُ والعادةُ والدَّيْدَنُ. والهَجِير والهَجِيرة والهَجْر والهاجِرَةُ: نِصْفُ النَّهَارِ عِنْدَ زَوَالِ الشَّمْسِ إِلى الْعَصْرِ، وَقِيلَ فِي كُلِّ ذَلِكَ: إِنه شِدَّةُ الْحَرِّ؛ الْجَوْهَرِيُّ: هُوَ نِصْفُ النَّهَارِ عِنْدَ اشْتِدَادِ الْحَرِّ؛ قَالَ ذُو الرُّمَّةِ:

وبَيْداءَ مِقْفارٍ، يكَادُ ارتِكاضُها ... بآلِ الضُّحى، والهَجْرُ بالطَّرْفِ يَمْصَحُ

والتَّهْجِير والتَّهَجُّر والإِهْجارُ: السَّيْرُ فِي الْهَاجِرَةِ. وَفِي الْحَدِيثِ:

أَنه كَانَ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يُصَلِّي الهَجِيرَ حِينَ تَدْحَضُ الشمسُ

؛ أَراد صَلَاةَ الهَجِير يَعْنِي الظُّهْرَ فَحَذَفَ الْمُضَافَ. وَقَدْ هَجَّرَ النهارُ وهَجَّرَ

<<  <  ج: ص:  >  >>