للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ولَسْنا نَفْعَل. وَقَالَ أَبو حَاتِمٍ: مِنِ اسْمَحْ أَنا لَيْسَ مِثْلَكَ وَالصَّوَابُ لَسْتُ مِثْلك لأَنَّ لَيْسَ فِعْلٌ واجبٌ فإِنما يُجَاءُ بِهِ لِلْغَائِبِ الْمُتَرَاخِي، تَقُولُ: عَبْدُ اللَّه «١» لَيْسَ مِثْلَكَ، وَتَقُولُ: جَاءَنِي الْقَوْمُ لَيْسَ أَباك وَلَيْسَكَ أَي غيرَ أَبيك وَغَيْرَكَ، وجاءَك الْقَوْمُ لَيْسَ أَباك ولَيْسَني، بِالنُّونِ، بِمَعْنًى وَاحِدٍ. التَّهْذِيبُ: وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ لَيْسَني بِمَعْنَى غَيْرِي. ابْنُ سِيدَهْ: ولَيْسَ كَلِمَةُ نَفْيٍ وَهِيَ فِعْلٌ مَاضٍ، قَالَ: وأَصلها لَيِس بِكَسْرِ الْيَاءِ فَسَكَنَتِ اسْتِثْقَالًا، وَلَمْ تُقْلَبْ أَلفاً لأَنها لَا تتصرَّف مِنْ حَيْثُ اسْتُعْمِلَتْ بِلَفْظِ الْمَاضِي لِلْحَالِ، وَالَّذِي يدلُّ عَلَى أَنها فِعْلٌ وإِن لَمْ تتصرَّف تصرُّف الأَفعال قَوْلُهُمْ لَسْت ولَسْتما ولَسْتُم كَقَوْلِهِمْ ضَرَبْتُ وَضَرَبْتُمَا وَضَرَبْتُمْ، وجُعِلت مِنْ عَوامِل الأَفعال نَحْوِ كَانَ وأَخواتها الَّتِي تَرْفَعُ الأَسماء وَتَنْصِبُ الأَخبار، إِلَّا أَن الْبَاءَ تَدْخُلُ فِي خَبَرِهَا وَحْدَهَا دُونَ أَخواتها، تَقُولُ لَيْسَ زَيْدٌ بمنطلقٍ، فَالْبَاءُ لِتعدِيَة الْفِعْلِ وتأْكيد النَّفْيِ، وَلَكَ أَن لَا تُدْخِلَهَا لأَن المؤكِّد يُسْتَغْنَى عَنْهُ، ولأَن مِنَ الأَفعال مَا يَتَعَدَّى مَرَّةً بِحَرْفِ جَرٍّ وَمَرَّةً بِغَيْرِ حَرْفٍ نَحْوَ اشْتَقْتُك وَاشْتَقْتُ إِليك، وَلَا يَجُوزُ تَقْدِيمُ خَبَرِهَا عَلَيْهَا كَمَا جَازَ فِي أَخواتها، لَا تَقُولُ محسِناً لَيْسَ زَيْدٌ، قَالَ: وَقَدْ يُستثنى بِهَا، تَقُولُ: جاءَني الْقَوْمُ لَيْسَ زَيْدًا كَمَا تَقُولُ إِلا زَيْدًا، تضمِر اسمَها فِيهَا وَتَنْصِبُ خَبَرَهَا بِهَا كأَنك قُلْتَ لَيْسَ الْجَائِي زَيْدًا، وَتَقْدِيرُهُ جَاءَنِي الْقَوْمُ لَيْسَ بَعْضُهُمْ زَيْدًا؛ وَلَكَ أَن تَقُولَ جَاءَنِي الْقَوْمُ لَيْسك إِلا أَن الْمُضْمَرَ الْمُنْفَصِلَ هَاهُنَا أَحسن كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:

لَيْتَ هَذَا الليلَ شَهْرٌ، ... لَا نَرى فِيهِ غَريبا،

ليس إِيّايَ وإِيّاكَ، ... وَلَا نَخْشى رَقِيبا

وَلَمْ يَقُلْ: لَيْسَني ولَيْسَك، وَهُوَ جَائِزٌ إِلا أَن الْمُنْفَصِلَ أَجْوَد. وَفِي الْحَدِيثِ

أَنه قَالَ لِزَيْدِ الخَيل: مَا وُصِف لِي أَحد فِي الْجَاهِلِيَّةِ فرأَيته فِي الإِسلام إِلا رأَيته دُونَ الصِّفة لَيْسَك

أَي إِلا أَنت؛ قَالَ ابْنُ الأَثير: وَفِي لَيْسَك غَرابة فإِن أَخبار كَانَ وأَخواتها إِذا كَانَتْ ضَمَائِرَ فإِنما يُسْتَعْمَلُ فِيهَا كَثِيرًا الْمُنْفَصِلُ دُونَ الْمُتَّصِلِ، تَقُولُ لَيْسَ إِياي وإِياك؛ قَالَ سِيبَوَيْهِ: وَلَيْسَ كَلِمَةٌ يُنْفَى بِهَا مَا فِي الْحَالِ فكأَنها مُسَكَّنَةٌ مِنْ نَحْوِ قَوْلِهِ صدَّ «٢» كَمَا قَالُوا عَلْم ذَلِكَ فِي عَلِمَ ذَلِكَ، قَالَ: فَلَمْ يَجْعَلُوا اعتلالَها إِلَّا لزُوم الإِسكان إِذ كَثُرَت فِي كَلَامِهِمْ وَلَمْ يغيِّروا حَرَكَةَ الْفَاءِ، وإِنما ذَلِكَ لأَنه لَا مُسْتَقْبَلَ مِنْهَا وَلَا اسْمُ فَاعِلٍ وَلَا مَصْدَرَ وَلَا اشْتِقَاقَ، فَلَمَّا لَمْ تُصَرَّف تصرُّف أَخواتها جُعِلَتْ بِمَنْزِلَةِ مَا لَيْس مِنَ الْفِعْلِ نَحْوَ لَيْتَ؛ وأَما قَوْلُ بَعْضِ الشُّعَرَاءِ:

يَا خَيْرَ مَنْ زانَ سُرُوجَ المَيْسِ، ... قَدْ رُسَّتِ الحاجاتُ عِنْدَ قَيْسِ،

إِذ لَا يَزالُ مُولَعاً بِلَيْسِ

فإِنه جَعَلَهَا اسْمًا وأَعْرَبها. وَقَالَ الْفَرَّاءُ: أَصل لَيْسَ لَا أَيْسَ، وَدَلِيلُ ذَلِكَ قَوْلُ الْعَرَبِ ائتِنِي بِهِ مِنْ حَيْثُ أَيْسَ ولَيْس، وجِئْ بِهِ مِنْ أَيْسَ ولَيْسَ أَي مِنْ حَيْثُ هُوَ ولَيْسَ هُوَ؛ قَالَ سِيبَوَيْهِ: وَقَالُوا لَسْتُ كَمَا قَالُوا مَسْتُ وَلَمْ يَقُولُوا لِسْتُ كَمَا قَالُوا خِفْتُ لأَنه لَمْ يتمكَّن تَمَكُّنَ الأَفعال، وَحَكَى أَبو عَلِيٍّ أَنهم يقولون: جِئْ بِهِ مِنْ حَيْثُ ولَيْسا «٣»؛ يُرِيدُونَ ولَيْسَ فَيُشْبِعُونَ فَتْحَةَ السين،


(١). قوله [وقال أَبو حاتم إلى قوله تقول عبد اللَّه] هكذا بالأَصل.
(٢). قوله [فكأَنها مُسَكَّنَةٌ مِنْ نَحْوِ قوله صدّ] هكذا في الأَصل ولعلها محرفة عن صيد بسكون الياء لغة في صيد كفرح.
(٣). قوله [من حيث وليسا] كذا بالأَصل وشرح القاموس.

<<  <  ج: ص:  >  >>