للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

اللَيْلَة؛ التَّحَوُّبُ: صَوْتٌ مَعَ تَوَجعٍ، أَراد بِهِ شدَّةَ صِياحِهِ بالدُّعاءِ؛ ورِحَالَنَا منصوبٌ عَلَى الظَّرْفِ. والحَوْبَةُ والحِيبَة: الهَمُّ والحُزْنُ. وَفِي حَدِيثِ

عُرْوَة لمَّا ماتَ أَبُو لَهَبٍ: أُرِيَه بعضُ أَهْلِه بشَرِّ حِيبَةٍ

أَي بشَرِّ حالٍ. والحِيبَةُ والحَوْبَة: الهَمُّ والحُزْنُ. والحِيبَة أَيضاً: الحاجَةُ والمَسْكَنة؛ قَالَ طُّفَيْل الغَنَوي:

فَذُوقُوا كَمَا ذُقْنا، غَداةَ مُحَجَّرٍ، ... مِنَ الغَيْظِ، فِي أَكْبادِنا، والتَّحَوُّبِ

وَقَالَ أَبو عُبَيْدٍ: التَّحَوُّبُ فِي غَيْرِ هَذَا التَّأَثُّم مِنَ الشيءِ، وَهُوَ مِنَ الأَوَّلِ، وبعضُه قريبٌ مِنْ بَعْضٍ. وَيُقَالُ لابنِ آوَى: هُوَ يَتَحَوَّبُ، لأَنَّ صَوْتَه كَذَلِكَ، كأَنه يَتَضَوَّرُ. وتحَوَّبَ فِي دُعَائِهِ: تَضَرَّعَ. والتَّحَوُّب أَيضاً: البكاءُ فِي جَزَعٍ وصِياحٍ، ورُبَّما عَمَّ بِهِ الصِّياحَ؛ قَالَ الْعَجَّاجُ:

وصَرَّحَتْ عَنْهُ، إِذَا تحوَّبا، ... رواجبُ الجوفِ السحيلَ الصُّلَّبا «١»

وَيُقَالُ: تحَوَّبَ إِذَا تَعَبَّد، كأَنه يُلْقِي الحُوبَ عَنْ نَفسِه، كَمَا يُقَالُ: تَأَثَّمَ وتحَنَّثَ إِذَا أَلْقَى الحِنْثَ عَنْ نَفْسِه بالعِبادةِ؛ وَقَالَ الكُمَيْت يَذْكُرُ ذِئْباً سَقاهُ وأَطْعَمَه:

وصُبَّ لَهُ شَوْلٌ، مِن الماءِ، غائرٌ ... بِهِ كَفَّ عَنْهُ، الحِيبةَ، المُتَحَوِّبُ

والحِيبة: ما يُتَأَثَّم مِنْهُ. وَفِي حَدِيثِ

النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اللَّهُمَّ اقْبَلْ تَوْبَتِي، وارْحَمْ حَوْبَتِي

؛ فحَوْبَتِي، يَجُوزُ أَن تَكُونَ هُنَا توَجُّعِي، وأَن تكونَ تَخَشُّعِي وتَمَسْكُنِي لَكَ. وَفِي التَّهْذِيبِ:

رَبِّ تَقَبَّلْ تَوْبَتِي واغْسِلْ حَوْبَتِي.

قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: حَوْبَتِي يَعْنِي المَأْثمَ، وتُفْتَح الْحَاءُ وتُضَم، وَهُوَ مِنْ قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: إِنَّهُ كانَ حُوباً كَبِيراً

. قَالَ: وَكُلُّ مَأْثَمٍ حُوبٌ وحَوْبٌ، وَالْوَاحِدَةُ حَوْبةٌ؛ وَمِنْهُ الْحَدِيثِ الْآخَرِ:

أَن رجُلًا أَتَى النبيَّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: إِنِّي أَتيتُك لأُجاهِدَ مَعَكَ؛ فَقَالَ: أَلَكَ حَوْبةٌ؟ قَالَ: نعم. قال: فَفِيها فجاهِدْ.

قَالَ أَبو عُبَيْدٍ: يَعْنِي مَا يَأْثَمُ بِهِ إنْ ضَيَّعه مِنْ حُرْمةٍ. قَالَ: وبعضُ أَهلِ العِلْمِ يَتَأَوّلُه عَلَى الأُمِّ خاصَّةً. قَالَ: وَهِيَ عِنْدِي كلُّ حُرْمةٍ تَضِيعُ إِنْ تَركَها، مَن أُمٍّ أَو أُخْتٍ أَو ابْنةٍ أَو غَيْرِهَا. وَقَوْلُهُمْ: إِنَّمَا فلانٌ حَوْبةٌ أَي لَيْسَ عِنْدَهُ خيرٌ وَلَا شرٌّ. وَيُقَالُ: سمعتُ مِنْ هَذَا حَوْبَيْنِ، ورأَيتُ مِنْهُ حَوْبَيْن أَي فَنَّيْن وضَرْبَيْن؛ وَقَالَ ذُو الرُّمَّةِ:

تَسْمَعُ، مِنْ تَيْهائهِ الأَفْلالِ، ... حَوْبَينِ مِنْ هَماهِمِ الأَغْوالِ

أَي فنَّيْن وضَرْبَين، وَقَدْ رُوِيَ بيتُ ذِي الرُّمَّة بِفَتْحِ الْحَاءِ. والحَوْبَة والحُوبة: الرجُلُ الضَّعيفُ، وَالْجَمْعُ حُوَب، وَكَذَلِكَ المرأَة إِذَا كَانَتْ ضعِيفة زَمِنة. وَبَاتَ فلانٌ بِحيبةِ سُوءٍ وحَوبةِ سوءٍ أَي بحالِ سُوءٍ؛ وَقِيلَ: إِذَا باتَ بِشِدَّةٍ وحالٍ سَيِّئةٍ لَا يُقَالَ إِلَّا فِي الشَّر؛ وَقَدِ استُعمل مِنْهُ فعْلٌ قَالَ:

وَإِنْ قَلُّوا وحابُوا


(١). قوله [وصرحت عنه إلخ] هو هكذا في الأَصل وانظر ديوان العجاج.

<<  <  ج: ص:  >  >>