للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَقَالَ تَعَالَى: وَأَقْرَضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً*

. وَيُقَالُ: أَقْرَضْتُ فُلَانًا وَهُوَ مَا تُعْطِيهِ لِيَقْضِيَكَه. وكلُّ أَمْرٍ يَتَجازَى بِهِ الناسُ فِيمَا بَيْنَهُمْ، فَهُوَ مِنَ القُروضِ. الْجَوْهَرِيُّ: والقَرْضُ مَا يُعْطِيه مِنَ المالِ لِيُقْضاه، والقِرْضُ، بِالْكَسْرِ، لُغَةٌ فِيهِ؛ حَكَاهَا الْكِسَائِيُّ. وَقَالَ ثَعْلَبٌ: القَرْضُ الْمَصْدَرُ، والقِرْضُ الِاسْمُ؛ قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَلَا يُعْجِبُنِي، وَقَدْ أَقْرَضَه وقارَضَه مُقارَضةً وقِراضاً. واسْتَقْرَضْتُ مِنْ فُلَانٍ أَي طَلَبْتُ مِنْهُ القَرْضَ فأَقْرَضَني. وأَقْرَضْتُ مِنْهُ أَي أَخذت مِنْهُ القَرْض. وقَرَضْته قَرْضاً وقارَضْتُه أَي جازَيتُه. وَقَالَ أَبو إِسحاق النَّحْوِيُّ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً*

، قَالَ: مَعْنَى القَرْضِ البَلاء الحسَنُ، تَقُولُ الْعَرَبُ: لَكَ عِنْدِي قَرْضٌ حَسَنٌ وقَرْضٌ سَيِء، وأَصل القَرْضِ مَا يُعطيه الرَّجُلُ أَو يَفْعَلُهُ ليُجازَى عَلَيْهِ، وَاللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَا يَسْتَقْرِضُ مِنْ عَوَزٍ وَلَكِنَّهُ يَبْلُو عِبَادَهُ، فالقَرْضُ كَمَا وَصَفْنَا؛ قَالَ لَبِيدٌ:

وإِذا جُوزِيتَ قَرْضاً فاجْزِه، ... إِنما يَجْزِي الفَتَى ليْسَ الجَمَلْ

مَعْنَاهُ إِذا أُسْدِيَ إِليكَ مَعْروفٌ فكافِئْ عَلَيْهِ. قَالَ: وَالْقَرْضُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً*

، اسْمٌ وَلَوْ كَانَ مَصْدَرًا لَكَانَ إِقْراضاً، وَلَكِنَّ قَرْضاً هَاهُنَا اسْمٌ لِكُلِّ مَا يُلْتَمَسُ عَلَيْهِ الْجَزَاءُ. فأَما قَرَضْتُه أَقْرِضُه قَرْضاً فَجَازَيْتُهُ، وأَصل القَرْضِ فِي اللُّغَةِ القَطْعُ، والمِقْراضُ مِنْ هَذَا أُخِذ. وأَما أَقْرَضْتُه فَقَطَعْتُ لَهُ قِطْعَةً يُجازِي عَلَيْهَا. وَقَالَ الأَخفش فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: يُقْرِضُ*

، أَي يَفْعَلُ فِعْلًا حَسَنًا فِي اتِّبَاعِ أَمر اللَّهِ وَطَاعَتِهِ. والعَربُ تَقُولُ لِكُلِّ مَن فعلَ إِلَيه خَيْراً: قَدْ أَحْسَنْتَ قَرْضِي، وَقَدْ أَقْرَضْتَني قَرْضاً حَسَنًا. وَفِي الْحَدِيثِ:

أَقْرِضْ مِنْ عِرْضِكَ لِيَوْمِ فَقْرِكَ

؛ يَقُولُ: إِذا نالَ عِرْضَكَ رَجُلٌ فَلَا تُجازِه وَلَكِنِ اسْتَبْقِ أَجْرَهُ مُوَفَّراً لَكَ قَرْضاً فِي ذِمَّتِهِ لتأْخذه مِنْهُ يَوْمَ حَاجَتِكَ إِليْهِ. والمُقارَضةُ: تَكُونُ فِي العَمَلِ السَّيِء والقَوْلِ السَّيِء يَقْصِدُ الإِنسان بِهِ صاحِبَه. وَفِي حَدِيثِ

أَبي الدَّرْدَاءِ: وإِن قارَضْتَ الناسَ قارَضُوك، وإِن تركْتَهم لَمْ يَتْرُكوك

؛ ذهَب بِهِ إِلى الْقَوْلِ فِيهِمْ والطَّعْنِ عَلَيْهِمْ وَهَذَا مِنَ القَطْعِ، يَقُولُ: إِن فَعَلْتَ بِهِمْ سُوءاً فَعَلُوا بِكَ مِثْلَهُ، وإِن تَرَكْتَهُمْ لَمْ تَسْلَمْ مِنْهُمْ وَلَمْ يَدَعُوك، وإِن سَبَبْتَهم سَبُّوكَ ونِلْتَ مِنْهُمْ ونالُوا مِنْكَ، وَهُوَ فاعَلْت مِنَ القَرْضِ. وَفِي حَدِيثِ

النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنه حضَرَه الأَعْرابُ وَهُمْ يَسْأَلونه عَنْ أَشياء: أَعَلَيْنا حَرَجٌ فِي كَذَا؟ فَقَالَ: عبادَ اللهِ رَفَع اللهُ عَنّا الحَرَجَ إِلا مَنِ اقْتَرَضَ امْرَأً مُسْلِماً

، وَفِي رِوَايَةٍ:

مَنِ اقْتَرَضَ عِرْضَ مُسْلِمٍ

؛ أَراد بِقَوْلِهِ اقْتَرَضَ امْرَأً مُسْلِماً أَي قطَعَه بالغِيبة والطّعْنِ عليه ونالَ مِنْهُ، وأَصله مِنَ القَرْض الْقَطْعُ، وَهُوَ افْتِعالٌ مِنْهُ. التَّهْذِيبُ: القِراضُ فِي كَلَامِ أَهل الْحِجَازِ المُضارَبةُ، وَمِنْهُ حَدِيثِ

الزُّهْرِيِّ: لَا تَصْلُحُ مُقارَضةُ مَنْ طُعْمَتُه الحَرامُ

، يَعْنِي القِراضَ؛ قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: أَصلها مِنَ القَرْضِ فِي الأَرض وَهُوَ قَطْعُها بالسيرِ فِيهَا، وَكَذَلِكَ هِيَ المُضارَبةُ أَيضاً مِنَ الضَّرْب فِي الأَرض. وَفِي حَدِيثِ

أَبي مُوسَى وابني عُمَرُ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ: اجْعَلْهُ قِراضاً

؛ القِراضُ: الْمُضَارَبَةُ فِي لُغَةِ أَهل الْحِجَازِ. وأَقْرَضَه المالَ وَغَيْرَهُ: أَعْطاه إِيّاهُ قَرْضاً؛ قَالَ:

<<  <  ج: ص:  >  >>