للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لَقَدْ تَمَخَّضَ فِي قَلْبي مَوَدَّتُها، ... كَمَا تَمَخَّضَ فِي إِبْرِيجه اللَّبَنُ

والمِمْخَضُ: السِّقاءُ وَهُوَ الإِمْخاضُ، مَثَّلَ بِهِ سِيبَوَيْهِ وفسَّره السِّيرَافِيُّ، وَقَدْ يَكُونُ المَخْضُ فِي أَشياءَ كَثِيرَةٍ فَالْبَعِيرُ يَمْخُضُ بشِقْشِقَتِه؛ وأَنشد:

يَجْمَعْنَ زَأْراً وهَدِيراً مَخْضَا «٢»

والسَّحابُ يَمْخُضُ بِمَائِهِ ويَتَمَخَّضُ، وَالدَّهْرُ يَتَمَخَّضُ بالفِتْنةِ؛ قَالَ:

وَمَا زالتِ الدُّنْيا تخُونُ نَعِيمَها، ... وتُصْبِحُ بالأَمْرِ العَظيمِ تَمخَّضُ

وَيُقَالُ لِلدُّنْيَا: إِنها تَتَمَخَّضُ بِفِتْنةٍ مُنكرة. وتَمَخَّضَتِ الليلةُ عَنْ يَوْمِ سَوءٍ إِذا كَانَ صَباحُها صَباحَ سُوءٍ، وَهُوَ مثَل بِذَلِكَ، وَكَذَلِكَ تمخَّضتِ المَنُونُ وَغَيْرُهَا؛ قَالَ:

تَمَخَّضَتِ المَنُونُ لَهُ بيَوْمٍ ... أَنَى، ولكلِّ حاملةٍ تَمامُ

عَلَى أَنَّ هَذَا قَدْ يَكُونُ مِنَ المَخاض؛ قَالَ: وَمَعْنَى هَذَا الْبَيْتِ أَنَّ المَنِيَّةَ تَهَيَّأَتْ لأَن تَلِدَ لَهُ الموتَ يَعْنِي النعمانَ بْنَ الْمُنْذِرِ أَو كِسْرَى. والإِمْخاضُ: مَا اجْتَمَعَ مِنَ اللَّبَنِ فِي المَرْعَى حَتَّى صَارَ وِقْرَ بَعِيرٍ، وَيُجْمَعُ عَلَى الأَماخِيضِ. يُقَالُ: هَذَا إِحْلابٌ مِنْ لَبَنٍ وإِمْخاضٌ مِنْ لَبَنٍ، وَهِيَ الأَحالِيبُ والأَماخِيضُ، وَقِيلَ: الإِمخاض اللبنُ ما دام فِي المِمْخَضِ. والمُسْتَمْخِضُ: البَطِيءُ الرَّوبِ مِنَ اللَّبَنِ، فإِذا اسْتَمْخَضَ لَمْ يَكَدْ يَرُوب، وإِذا رابَ ثمَ مَخَضَه فَعَادَ مَخْضاً فَهُوَ المُسْتَمْخِضُ، وَذَلِكَ أَطيبُ أَلبانِ الْغَنَمِ. وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: وَقَدِ اسْتَمْخَضَ لبنُك أَي لَا يكادُ يَرُوبُ، وإِذا استمخَضَ اللبنُ لَمْ يَكَدْ يَخْرُجُ زُبده، وَهُوَ مِنْ أَطيب اللَّبَنِ لأَن زُبده اسْتُهْلِكَ فِيهِ. واستمخضَ اللبنُ أَيضاً إِذا أَبْطأَ أَخَذَهُ الطَّعْم بَعْدَ حَقْنِه فِي السِّقاء. اللَّيْثُ: المَخْضُ تحريكُك المِمْخَض الَّذِي فِيهِ اللَّبَنُ المَخِيض الَّذِي قَدْ أُخِذَتْ زُبدته. وتَمَخَّضَ اللبنُ وامْتَخَضَ أَي تحرَّك فِي المِمْخضة، وَكَذَلِكَ الْوَلَدُ إِذا تحرَّك فِي بَطْنِ الْحَامِلِ؛ قَالَ عَمْرُو بْنُ حسَّان أَحد بني الحَرِث بْنِ هَمَّام بْنِ مُرَّة يُخَاطِبُ امرأَته:

أَلا يَا أُمَّ عَمْروٍ، لَا تَلُومِي ... وأَبْقِي، إِنَّما ذَا الناسُ هامُ

أَجِدَّكِ هَلْ رأَيتِ أَبا قُبَيْسٍ، ... أطالَ حَياتَه النَّعَمُ الرُّكامُ؟

وكِسْرَى، إِذْ تَقَسَّمَه بَنُوه ... بأَسْيافٍ، كَمَا اقْتُسِمَ اللِّحامُ

تَمَخَّضَتِ المَنُونُ لَهُ بيَوْمٍ ... أَنَى، ولكلِّ حَامِلَةٍ تَمامُ

فَجُعِلَ قَوْلُهُ تَمَخَّضَت يَنُوبُ مَنابَ قَوْلِهِ لَقِحَتْ بِوَلَدٍ لأَنها مَا تَمَخَّضَتْ بِالْوَلَدِ إِلَّا وَقَدْ لَقِحت. وَقَوْلُهُ أَنَى أَي حانَ وِلادته لِتَمَامِ أَيام الْحَمْلِ. قَالَ ابْنُ بَرِّيٍّ: الْمَشْهُورُ فِي الرِّوَايَةِ: أَلا يَا أُمَّ قَيْسٍ، وَهِيَ زَوْجَتُهُ، وَكَانَ قَدْ نَزَلَ بِهِ ضَيْف يُقَالُ لَهُ إِسافٌ فعقَر لَهُ نَاقَةً فلامَتْه، فَقَالَ هَذَا الشِّعْرَ، وَقَدْ رأَيت أَنا فِي حَاشِيَةٍ مِنْ نُسَخِ أَمالي ابْنِ بَرِّيٍّ أَنه عَقَرَ لَهُ نَاقَتَيْنِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ


(٢). قوله [يجمعن] كذا في الأَصل، والذي في شرح القاموس: يتبعن، قاله يصف القروم.

<<  <  ج: ص:  >  >>