للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ابْنُ سِيدَهْ: والحَبَطُ وَجَعٌ يأْخذ الْبَعِيرَ فِي بطْنه مِنْ كَلإٍ يَسْتَوْبِلُه، وَقَدْ حَبِطَ حَبَطاً، فَهُوَ حَبِطٌ، وإِبِل حَباطَى وحَبَطةٌ، وحَبِطَت الإِبلُ تَحْبَطُ. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: الحَبَطُ أَن تأْكل الْمَاشِيَةُ فتُكْثِرَ حتى تَنْتَفِخَ لذلك بطونُها ولا يخرج عنها مَا فِيهَا. وحَبِطتِ الشَّاةُ، بِالْكَسْرِ، حَبَطاً: انْتَفَخَ بَطْنُهَا عَنْ أَكل الذُّرَقِ، وَهُوَ الحَنْدَقُوقُ. الأَزهري: حَبِطَ بطنُه إِذا انْتَفَخَ يحبَطُ حَبَطاً، فَهُوَ حَبِطٌ. وَفِي الْحَدِيثِ:

وإِنَّ مِمَّا يُنْبِتُ الرَّبِيعُ مَا يَقْتُلُ حَبَطاً أَو يُلِمُ

، وَذَلِكَ الدَّاء الحُباطُ، قَالَ: وَرَوَاهُ بَعْضُهُمْ بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ مِنَ التَّخَبُّطِ، وَهُوَ الاضْطِرابُ. قَالَ الأَزهريّ: وأَما قَوْلُ

النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وإِنَّ مِمَّا يُنبِت الربيعُ مَا يقْتُلُ حَبَطاً أَو يُلمّ

، فإِن أَبا عُبَيْدٍ فَسَّرَ الحَبَطَ وَتَرَكَ مِنْ تَفْسِيرِ هَذَا الْحَدِيثِ أَشياء لَا يَستغْني أَهلُ العلمِ عَنْ مَعْرِفتها، فَذَكَرْتُ الْحَدِيثَ عَلَى وَجْهِهِ لأُفَسِّر مِنْهُ كلَّ مَا يحتاجُ مِنْ تَفْسِيرِهِ، فَقَالَ وذَكر سَنَدَهُ إِلى

أَبي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّهُ قَالَ: جَلَسَ رسولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَلَى المِنْبر وجَلسنا حولَه فَقَالَ: إِني أَخاف عَلَيْكُمْ بَعْدِي مَا يُفْتَحُ عَلَيْكُمْ مِنْ زَهرةِ الدُّنْيَا وزِينتِها، قَالَ: فَقَالَ رَجُلٌ أَوَيَأْتي الخيرُ بالشرّ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: فَسَكَتَ عَنْهُ رسولُ اللَّهِ، صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ورأَيْنا أَنه يُنْزَلُ عَلَيْهِ فأَفاقَ يَمْسَحُ عَنْهُ الرُّحضاء وَقَالَ: أَين هَذَا السائلُ؟ وكأَنه حَمِدَه؛ فَقَالَ: إِنه لَا يأْتي الخيرُ بِالشَّرِّ، وإِنَّ مِمَّا يُنبِت الربيعُ مَا يَقتل حبَطاً أَو يُلمّ إِلّا آكِلةَ الخَضِر، فإِنها أَكلت حَتَّى إِذا امتلأَت خَاصِرَتَاهَا استَقْبَلَتْ عينَ الشمسِ فثَلَطَتْ وبالَتْ ثُمَّ رتَعَتْ، وإِن هَذَا الْمَالَ خَضِرةٌ حُلوةٌ، ونِعْم صاحبُ المُسْلمِ هُوَ لِمَنْ أَعْطى المِسْكينَ واليتيمَ وابنَ السبيلِ

؛ أَو كَمَا قَالَ

رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وإِنه مَن يأْخذه بِغَيْرِ حَقِّهِ فَهُوَ كَالْآكِلِ الَّذِي لَا يَشْبَعُ وَيَكُونُ عَلَيْهِ شَهِيدًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ.

قَالَ الأَزهري: وإِنما تَقَصَّيْتُ رِوَايَةَ هَذَا الْخَبَرِ لأَنه إِذا بُتِرَ اسْتَغْلَقَ مَعْنَاهُ، وَفِيهِ مَثَلَانِ: ضرَب أَحدَهما للمُفْرِط فِي جَمْعِ الدُّنْيَا مَعَ مَنْعِ مَا جمَع مِنْ حَقِّهِ، وَالْمَثَلُ الْآخَرُ ضَرَبَهُ للمُقْتَصِد فِي جمْعِ الْمَالِ وبذْلِه فِي حقِّه، فأَما

قَوْلُهُ: صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وإِنَّ مِمَّا يُنبت الربيعُ مَا يَقْتُلُ حبَطاً

، فَهُوَ مِثْلُ الحَرِيصِ والمُفْرِط فِي الجمْع والمنْع، وَذَلِكَ أَن الرَّبِيعَ يُنبت أَحْرار الْعُشْبِ الَّتِي تَحْلَوْلِيها الماشيةُ فَتَسْتَكْثِرُ مِنْهَا حَتَّى تَنْتَفِخَ بُطُونُهَا وتَهْلِكَ، كَذَلِكَ الَّذِي يَجْمَعُ الدُّنْيَا ويَحْرِصُ عَلَيْهَا ويَشِحُّ عَلَى مَا جمَع حَتَّى يمنَعَ ذَا الحقِّ حقَّه مِنْهَا يَهْلِكُ فِي الْآخِرَةِ بِدُخُولِ النَّارِ واسْتِيجابِ العذابِ، وأَما مَثَلُ المُقْتَصِد الْمَحْمُودِ فَقَوْلُهُ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِلَّا آكِلةَ الخَضِر فإِنها أَكلت حَتَّى إِذا امتلأَتْ خَواصِرُها اسْتَقْبَلَتْ عينَ الشمسِ فثَلَطَتْ وبالَتْ ثُمَّ رَتَعَتْ، وَذَلِكَ أَن الخَضِرَ لَيْسَ مِنْ أَحْرارِ الْبُقُولِ الَّتِي تَسْتَكْثِرُ مِنْهَا الْمَاشِيَةُ فتُهْلِكه أَكلًا، وَلَكِنَّهُ مِنَ الجَنْبةِ الَّتِي تَرْعاها بَعْدَ هَيْجِ العُشْبِ ويُبْسِه، قَالَ: وأَكثر مَا رأَيت الْعَرَبَ يَجْعَلُونَ الخَضِرَ مَا كَانَ أَخْضَرَ مِنَ الحَلِيِّ الَّذِي لَمْ يصفَرّ والماشيةُ تَرْتَعُ مِنْهُ شَيْئًا شَيْئًا وَلَا تَسْتَكْثِرُ مِنْهُ فَلَا تحبَطُ بطونُها عَنْهُ؛ قَالَ: وَقَدْ ذَكَرَهُ طرَفةُ فَبَيَّنَ أَنه مِنْ نَبَاتِ الصَّيْفِ فِي قَوْلِهِ:

كَبَناتِ المَخْرِ يَمْأَدْنَ، إِذا ... أَنْبَتَ الصيْفُ عَسالِيجَ الخَضِرْ

فالخَضِرُ مِنْ كَلإِ الصيفِ فِي القَيْظِ وَلَيْسَ مِنْ أَحرارِ بُقولِ الرَّبيع، والنَّعَمُ لَا تَسْتَوْبِلُه وَلَا تَحْبَطُ بطونُها عَنْهُ، قَالَ: وبناتُ مَخْرٍ أَيضاً وَهِيَ سحائبُ

<<  <  ج: ص:  >  >>