مَضى مِنْ رَمْيه فَقَالَ:
أَعوذُ بالرحْمنِ مِنْ شَرِّ القَدَرْ، ... لَا بارَك الرحمنُ فِي أُمِّ القُتَرْ
أَأُمْغِطُ السَّهْمَ لإِرْهاقِ الضَّرَرْ، ... أَمْ ذاكَ مِنْ سُوءِ احْتِمالٍ ونَظَرْ،
أَمْ لَيْسَ يُغْني حَذَرٌ عِنْدَ قَدَرْ؟
المَغْطُ والإِمْغاطُ: سُرْعةُ النزْعِ بِالسَّهْمِ؛ قَالَ: ثُمَّ وَرَدَتِ الْحُمُرُ ثَالِثَةً فَكَانَ كَمَا مَضَى مِنْ رَمْيِهِ فَقَالَ:
إِنِّي لشُؤْمي وشَقائي ونَكَدْ، ... قَدْ شَفَّ مِنِّي مَا أَرَى حَرُّ الكَبِدْ،
أَخْلَفَ مَا أَرْجُو لأَهْلي ووَلَدْ
ثُمَّ وَرَدَتِ الْحُمُرُ رَابِعَةً فَكَانَ كَمَا مَضَى مِنْ رَمْيِهِ الأَوّل فَقَالَ:
مَا بالُ سَهْمِي يُظْهِرُ الحُباحِبَا؟ ... قَدْ كنتُ أَرْجُو أَن يكونَ صائِبا،
إِذْ أَمكَنَ العَيْرُ وأَبْدَى جانِبا، ... فَصَارَ رَأْيي فِيهِ رَأْياً كاذِبا
ثُمَّ وَرَدَتِ الْحُمُرُ خَامِسَةً فَكَانَ كَمَا مَضَى مِنْ رَمْيِهِ فَقَالَ:
أَبَعْدَ خَمْسٍ قَدْ حَفِظْتُ عَدَّها ... أَحْمِلُ قَوْسِي وأُرِيدُ رَدَّها؟
أَخْزَى إِلَهِي لِينَها وشَدَّها ... واللهِ لَا تَسْلَمُ عِنْدِي بَعْدَها،
وَلَا أُرَجِّي، مَا حَييتُ، رِفْدَها
ثُمَّ خَرَجَ مِنْ قُتْرَتِه حتى جاء بها إِلى صَخْرَةٍ فَضَرَبَهَا بِهَا حَتَّى كَسَرَها ثُمَّ نَامَ إِلى جَانِبِهَا حَتَّى أَصبح؛ فَلَمَّا أَصبح وَنَظَرَ إِلى نَبْلِهِ مُضَرَّجة بِالدِّمَاءِ وإِلى الحُمُرِ مُصَرَّعةً حَوْلَهُ عَضَّ إِبهامه فقطعها ثم أَنشأَ يَقُولُ:
نَدِمْتُ نَدامةً، لَوْ أَنَّ نَفْسِي ... تُطاوِعُني، إِذاً لَبَتَرْتُ خَمْسِي
تَبَيَّنَ لِي سَفاه الرَّأْي مِنِّي، ... لَعَمْرُ اللَّهِ، حينَ كَسَرْتُ قَوْسِي
كشع: كَشَعُوا عَنْ قَتِيلٍ: تَفَرَّقُوا عَنْهُ فِي مَعْرَكةٍ؛ قَالَ: شِلْو حِمارٍ كَشَعَتْ عنه الحُمُرْ
كعع: الكَعُّ والكاعُّ: الضعِيفُ العاجُ، وَزْنُهُ فَعْلٌ؛ حَكَاهُ الْفَارِسِيُّ. وَرَجُلٌ كعُّ الْوَجْهِ: رقِيقُه. وَرَجُلٌ كُعْكُعٌ، بِالضَّمِّ، أَي جَبانٌ ضَعِيفٌ. وكَعَّ يَكِعُّ ويَكُعُّ، وَالْكَسْرُ أَجْوَدُ، كَعّاً وكُعُوعاً وكَعاعةً وكَيْعُوعةً فَهُوَ كَعٌّ وكاعٌّ؛ قَالَ الشَّاعِرُ:
إِذا كَانَ كَعُّ القوْمِ للرَّحْلِ أَلْزَما «١»
قَالَ أَبو زَيْدٍ: كَعَعْتُ وكَعِعْتُ لُغَتَانِ مِثْلَ زَلَلْتُ وزَلِلْتُ. وَقَالَ ابْنُ المظَفَّر: رَجُلٌ كَعٌّ كاعٌّ، وَهُوَ الَّذِي لَا يَمْضِي فِي عَزْمٍ وَلَا حَزْمٍ، وَهُوَ الناكِصُ عَلَى عَقِبَيْه. وَفِي الْحَدِيثِ:
مَا زَالَتْ قُرَيْشٌ كَاعَّةً حَتَّى مَاتَ أَبو طَالِبٍ، فَلَمَّا مات اجْتَرَؤُوا عَلَيْهِ
؛ الكاعّةُ جَمْعُ كاعٍّ، وَهُوَ الْجَبَانُ، أَراد أَنهم كَانُوا يجْبُنُون عَنِ النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِي حَيَاةِ أَبي طَالِبٍ، فلما مات اجترؤوا عَلَيْهِ، وَيُرْوَى بِتَخْفِيفِ الْعَيْنِ. وتَكَعْكَعَ: هابَ القومَ وَتَرَكَهُمْ بعد ما أَرادهم وجَبُنَ عَنْهُمْ، لُغَةٌ فِي تَكَأْكَأَ وتَكَعْكَعَ الرجلُ
(١). قوله [للرحل ألزما] كذا بالأصل، والذي في الصحاح: للدحل لازما.