يَحُقُّ لِمَنْ أَبُو موسَى أَبُوه ... يُوَفِّقُه الَّذِي نصَب الجِبالا
وَأَنْتَ حَقيِقٌ عَلَيْكَ ذَلِكَ وحَقيِقٌ عليَّ أَن أَفعله؛ قَالَ شَمِرٌ: تَقُولُ الْعَرَبُ حَقَّ عليَّ أَن أَفعلَ ذَلِكَ وحُقَّ، وإِني لمَحْقُوق أَن أَفعل خَيْرًا، وَهُوَ حَقِيق بِهِ ومَحقُوق بِهِ أَي خَلِيق لَهُ، وَالْجَمْعُ أَحِقاء ومَحقوقون. وَقَالَ الْفَرَّاءُ: حُقَّ لَكَ أَن تَفْعَلَ ذَلِكَ وحَقَّ، وإِني لَمَحْقُوقٌ أَن أَفعل كَذَا، فإِذا قُلْتَ حُقَّ قُلْتَ لَكَ، وَإِذَا قُلْتَ حَقَّ قُلْتَ عَلَيْكَ، قَالَ: وَتَقُولُ يَحِقُّ عَلَيْكَ أَن تَفْعَلَ كَذَا وحُقَّ لَكَ، وَلَمْ يَقُولُوا حَقَقْتَ أَن تَفْعَلَ. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: وَأَذِنَتْ لِرَبِّها وَحُقَّتْ*
؛ أَي وحُقَّ لَهَا أنَ تَفْعَلَ. وَمَعْنَى قَوْلِ مَنْ قَالَ حَقَّ عَلَيْكَ أَن تَفْعَلَ وجَب عَلَيْكَ. وَقَالُوا: حَقٌّ أَن تَفْعَلَ وحَقِيقٌ أَن تَفْعَلَ. وَفِي التَّنْزِيلِ: حَقِيقٌ عَلى أَنْ لَا أَقُولَ عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَ
. وحَقِيقٌ فِي حَقَّ وحُقَّ، فَعِيل بِمَعْنَى مَفْعول، كَقَوْلِكَ أَنت حَقِيق أَن تَفْعَلَهُ أَي مَحْقُوقٌ أَن تَفْعَلَهُ، وَتَقُولَ: أَنت مَحْقوق أَن تَفْعَلَ ذَلِكَ؛ قَالَ الشَّاعِرُ:
قَصِّرْ فإِنَّكَ بالتَّقْصِير مَحْقوق
وَفِي التَّنْزِيلِ: فَحَقَّ عَلَيْنا قَوْلُ رَبِّنا
. وَيُقَالُ للمرأَة: أَنت حقِيقة لِذَلِكَ، يَجْعَلُونَهُ كَالِاسْمِ، وَأَنت مَحْقوقة لِذَلِكَ، وأَنت مَحْقوقة أَن تَفْعَلِي ذَلِكَ؛ وأَما قَوْلُ الأَعشى:
وإِنَّ امْرَأً أَسْرى إِليكِ، ودونَه ... مِنَ الأَرضِ مَوْماةٌ ويَهْماء سَمْلَقُ
لَمَحْقُوقةٌ أَن تَسْتَجِيبي لِصَوْتِه، ... وأَن تَعْلَمي أَنَّ المُعانَ مُوَفَّقُ
فإِنه أَراد لَخُلّة محْقوقة، يَعْنِي بالخُلّة الخَلِيلَ، وَلَا تَكُونُ الْهَاءُ فِي مَحْقُوقَةٍ لِلْمُبَالَغَةِ لأَن الْمُبَالَغَةَ إِنَّمَا هِيَ فِي أَسْمَاءِ الفاعلين دون المَفْعُولين، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ التَّقْدِيرُ لَمَحْقُوقَةٌ أَنْتِ، لأَن الصِّفَةَ إِذَا جَرَتْ عَلَى غَيْرِ مَوْصُوفِهَا لَمْ يَكُنْ عِنْدَ أَبِي الْحَسَنِ الأَخفش بُدٌّ مِنْ إِبْرَازِ الضَّمِيرِ، وَهَذَا كُلُّهُ تَعْلِيلُ الْفَارِسِيِّ؛ وَقَوْلُ الْفَرَزْدَقِ:
إِذَا قَالَ عاوٍ مَنْ مَعَدٍّ قَصِيدةً، ... بِهَا جَرَبٌ، عُدَّتْ عليَّ بِزَوْبَرا
فيَنْطِقُها غَيْري وأُرْمى بذَنبها، ... فَهَذَا قَضاءٌ حَقُّه أَن يُغَيَّرا
أَيْ حُقَّ لَهُ. والحَقُّ وَاحِدُ الحُقوق، والحَقَّةُ والحِقَّةُ أخصُّ مِنْهُ، وَهُوَ فِي مَعْنَى الحَق؛ قَالَ الأَزهري: كَأَنَّهَا أوجَبُ وَأَخَصُّ، تَقُولُ هَذِهِ حَقَّتي أَيْ حَقِّي. وَفِي الْحَدِيثِ:
أَنَّهُ أَعْطَى كلَّ ذِي حَقّ حَقَّهُ وَلَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ
أَيْ حظَّه ونَصِيبَه الَّذِي فُرِضَ لَهُ. وَمِنْهُ حَدِيثُ
عُمَرَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: لَمَّا طُعِنَ أُوقِظَ لِلصَّلَاةِ فَقَالَ: الصلاةُ وَاللَّهِ إِذَنْ وَلَا حقَ
أَيْ وَلَا حَظَّ فِي الإِسلام لِمَن تركَها، وَقِيلَ: أَرَادَ الصلاةُ مقْضِيّة إِذَنْ وَلَا حَقَّ مَقْضِيٌّ غَيْرَهَا، يَعْنِي أَنَّ فِي عُنقه حُقوقاً جَمَّةً يَجِبُ عَلَيْهِ الْخُرُوجُ عَنْ عُهْدتها وَهُوَ غَيْرُ قَادِرٍ عَلَيْهِ، فهَبْ أَنَّهُ قَضَى حَقَّ الصَّلَاةِ فَمَا بالُ الحُقوق الأُخر؟ وَفِي الْحَدِيثِ:
ليلةُ الضَّيْفِ حَقٌّ فَمَنْ أَصْبَحَ بفِنائه ضَيْف فَهُوَ عَلَيْهِ دَيْن
؛ جَعَلَهَا حَقّاً مِنْ طَرِيقِ الْمَعْرُوفِ والمُروءة وَلَمْ يَزَلْ قِرى الضَّيفِ مِنْ شِيَم الكِرام ومَنْع القِرى مَذْمُومٌ؛ وَمِنْهُ الْحَدِيثُ:
أَيُّما رجُل ضافَ قَوْمًا فَأَصْبَحَ مَحْرُوماً فإِن نَصْرَه حَقٌّ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ حَتَّى يأْخذ قِرى لَيْلَتِهِ مِنْ زَرعه وَمَالِهِ
؛ وَقَالَ الْخَطَابِيُّ: يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ هَذَا فِي الَّذِي يَخَافُ التَّلَفَ عَلَى نَفْسِهِ ولا يجد مَا يأْكل فَلَهُ أَنْ