للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يَتناول مِنْ مَالِ أَخِيهِ مَا يُقيم نَفْسَهُ، وَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حُكْمِ مَا يأْكله هَلْ يَلْزَمُهُ فِي مُقَابَلَتِهِ شَيْءٌ أَمْ لَا. قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: قَالَ سِيبَوَيْهِ وَقَالُوا هَذَا الْعَالِمُ حَقُّ الْعَالِمِ؛ يُرِيدُونَ بِذَلِكَ التَّناهي وَأَنَّهُ قَدْ بَلَغَ الْغَايَةَ فِيمَا يَصِفُهُ مِنَ الخِصال، قَالَ: وَقَالُوا هَذَا عَبْدُ اللَّهِ الحَقَّ لَا الْبَاطِلَ، دَخَلَتْ فِيهِ اللَّامُ كَدُخُولِهَا فِي قَوْلِهِمْ أَرْسَلَها العِراكَ، إِلَّا أَنَّهُ قَدْ تُسْقَطُ مِنْهُ فَتَقُولُ حَقًّا لَا بَاطَلًا. وحُقَّ لَكَ أَنْ تَفْعَلَ وحُقِقْتَ أَنْ «٢» تَفْعَلَ وَمَا كَانَ يَحُقُّك أَنْ تَفْعَلَهُ فِي مَعْنَى مَا حُقَّ لَكَ. وأُحِقَّ عَلَيْكَ القَضاء فحَقَّ أَيْ أُثْبِتَ فَثَبَتَ، وَالْعَرَبُ تَقُولُ: حَقَقْت عَلَيْهِ الْقَضَاءَ أحُقُّه حَقّاً وأحقَقْتُه أُحِقُّه إحْقاقاً أَيْ أَوْجَبْتُهُ. قَالَ الأَزهري: قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ وَلَا أَعْرِفُ مَا قَالَ الْكِسَائِيُّ فِي حَقَقْت الرجلَ وأحْقَقْته أَيْ غَلَبْتُهُ عَلَى الْحَقِّ. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ

، مَنْصُوبٌ عَلَى مَعْنَى حَقَّ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ حَقًّا؛ هَذَا قَوْلُ أَبِي إسحق النَّحْوِيِّ؛ وَقَالَ الْفَرَّاءُ فِي نَصْبِ قَوْلِهِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ

وَمَا أَشْبَهَهُ فِي الْكِتَابِ: إِنَّهُ نَصْب مِنْ جِهَةِ الْخَبَرِ لَا أَنَّهُ مِنْ نَعْتِ قَوْلِهِ مَتاعاً بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا

، قَالَ: وَهُوَ كَقَوْلِكَ عبدُ اللهِ فِي الدَّارِ حَقًّا، إِنَّمَا نَصْبُ حَقًّا مِنْ نِيَّةِ كَلَامِ المُخبِر كَأَنَّهُ قَالَ: أُخْبِركم بِذَلِكَ حَقًّا؛ قَالَ الأَزهري: هَذَا الْقَوْلُ يَقْرُبُ مِمَّا قاله أبو إسحق لأَنه جَعَلَهُ مَصْدَرًا مؤكِّداً كَأَنَّهُ قَالَ أُخبركم بِذَلِكَ أحُقُّه حَقّاً؛ قَالَ أَبُو زَكَرِيَّا الْفَرَّاءُ: وكلُّ مَا كَانَ فِي الْقُرْآنِ مِنْ نَكِرات الْحَقِّ أَوْ مَعْرِفَتِهِ أَوْ مَا كَانَ فِي مَعْنَاهُ مَصْدَرًا، فَوَجْهُ الْكَلَامِ فِيهِ النَّصْبُ كَقَوْلِ اللَّهِ تعالى: وَعْدَ الْحَقِّ*

ووَعْدَ الصِّدْقِ؛ والحَقِيقَةُ مَا يَصِيرُ إِلَيْهِ حَقُّ الأَمر ووجُوبُه. وَبَلَغَ حقيقةَ الأَمر أَيْ يَقِينَ شأْنه. وَفِي الْحَدِيثِ:

لَا يبلُغ الْمُؤْمِنُ حقيقةَ الإِيمان حَتَّى لَا يَعِيب مُسْلِمًا بِعَيْب هُوَ فِيهِ

؛ يَعْنِي خالِصَ الإِيمان ومَحْضَه وكُنْهَه. وحقيقةُ الرَّجُلِ: مَا يَلْزَمُهُ حِفظه ومَنْعُه ويَحِقُّ عَلَيْهِ الدِّفاعُ عَنْهُ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ؛ وَالْعَرَبُ تَقُولُ: فُلَانٌ يَسُوق الوَسِيقة ويَنْسِلُ [يَنْسُلُ] الوَدِيقةَ ويَحْمي الْحَقِيقَةَ، فالوَسيقةُ الطريدةُ مِنَ الإِبل، سُمِّيَتْ وَسِيقَةً لأَن طَارِدَهَا يَسِقُها إِذَا ساقَها أَيْ يَقْبِضها، والوَديقةُ شِدَّةُ الْحَرِّ، والحقيقةُ مَا يَحِقّ عَلَيْهِ أَنْ يَحْمِيه، وَجَمْعُهَا الحَقائقُ. والحقيقةُ فِي اللُّغَةِ: مَا أُقِرّ فِي الِاسْتِعْمَالِ عَلَى أَصْلِ وضْعِه، والمَجازُ مَا كَانَ بِضِدِّ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا يَقَعُ الْمَجَازُ ويُعدَل إِلَيْهِ عَنِ الْحَقِيقَةِ لمعانٍ ثَلَاثَةٍ: وَهِيَ الاتِّساع وَالتَّوْكِيدُ وَالتَّشْبِيهُ، فَإِنْ عُدِم هَذِهِ الأَوصافُ كَانَتِ الْحَقِيقَةُ البتَّةَ، وَقِيلَ: الْحَقِيقَةُ الرَّايَةُ؛ قَالَ عَامِرُ بْنُ الطُّفَيْلِ:

لَقَدْ عَلِمَتْ عَلْيا هَوازِنَ أَنَّني ... أَنا الفارِسُ الْحَامِي حَقِيقةَ جَعْفَرِ

وَقِيلَ: الْحَقِيقَةُ الحُرْمة، والحَقيقة الفِناء. وحَقَّ الشئُ يَحِقُّ، بِالْكَسْرِ، حَقًّا أَيْ وَجَبَ. وَفِي حَدِيثِ

حُذَيْفَةَ: مَا حَقَّ القولُ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ حَتَّى استغْنى الرِّجالُ بالرجالِ والنساءُ بالنساءِ

أَيْ وجَب ولَزِم. وَفِي التَّنْزِيلِ: وَلكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي

. وأحقَقْت الشئ أَيْ أَوْجَبْتُهُ. وَتَحَقَّقَ عِنْدَهُ الخَبَرُ أَيْ صحَّ. وحقَّقَ قَوْلَهُ وظنَّه تَحْقِيقًا أَيْ صدَّقَ. وكلامٌ مُحَقَّقٌ أَيْ رَصِين؛ قَالَ الرَّاجِزُ:

دَعْ ذَا وحَبِّرْ مَنْطِقاً مُحَقَّقا

والحَقُّ: صِدْق الحديثِ. والحَقُّ: اليَقين بعد الشكِّ.


(٢). قوله [وحققت أن إلخ] كذا ضبط في الأَصل وبعض نسخ الصحاح بضم فكسر والذي في القاموس بفتح فكسر.

<<  <  ج: ص:  >  >>