فَسَّرَهُ الْجَوْهَرِيُّ؛ قَالَ أَبو سَعِيدٍ الضَّرِيرُ: قَوْلُ أَبي عُبَيْدٍ الشَّنَقُ مَا بَيْنَ الخَمْس إِلَى الْعَشْرِ مُحالٌ، إِنَّمَا هُوَ إِلَى تِسْعٍ، فَإِذَا بَلَغَ العَشْرَ فَفِيهَا شَاتَانِ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ مَا بَيْنَ الْعَشَرَةِ إِلَى خَمْس عَشْرةَ، وَكَانَ حقُّه أَن يَقُولَ إِلَى أَرْبَعَ عَشْرة لأَنها إِذَا بَلَغَتْ خَمْسَ عَشْرةَ فَفِيهَا ثلاثُ شِياه. قَالَ أَبو سَعِيدٍ: وَإِنَّمَا سُمِّيَ الشَّنَقُ شَنَقاً لأَنه لَمْ يُؤْخَذْ منه شيء. وشْنَقَ إِلَى مَا يَلِيهِ مِمَّا أُخذ مِنْهُ أَي أُضِيفَ وجُمِعَ؛ قَالَ: وَمَعْنَى قَوْلِهِ لَا شِناقَ أَي لَا يُشْنِقُ الرَّجُلُ غَنَمَهُ وَإِبِلَهُ إِلَى غَنَمِ غَيْرِهِ لِيُبْطِلَ عَنْ نَفْسِهِ مَا يَجِبُ عَلَيْهِ مِنَ الصَّدَقَةِ، وَذَلِكَ أَن يَكُونُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَربعون شَاةً فَيَجِبُ عَلَيْهِمَا شَاتَانِ، فَإِذَا أَشْنَقَ أَحدُهما غنمَه إِلَى غَنَمِ الْآخَرِ فَوَجَدَهَا المُصَدِّقُ فِي يَدِهِ أَخَذَ مِنْهَا شَاةً، قَالَ: وَقَوْلُهُ
لَا شِناقَ
أَيْ لَا يُشْنِقُ الرجلُ غَنَمَهُ أَوْ إِبِلَهُ إِلَى مَالِ غَيْرِهِ لِيُبْطِلَ الصَّدَقَةَ، وَقِيلَ: لَا تَشانَقُوا فَتَجْمَعُوا بَيْنَ مُتَفَرِّقٍ، قَالَ: وَهُوَ مِثْلُ قَوْلِهِ
وَلَا خِلاطَ
؛ قَالَ أَبو سَعِيدٍ: وَلِلْعَرَبِ أَلفاظ فِي هَذَا الْبَابِ لَمْ يَعْرِفْهَا أَبو عُبَيْدٍ، يَقُولُونَ إِذَا وَجَبَ عَلَى الرَّجُلِ شَاةٌ فِي خَمْسٍ مِنَ الإِبل: قَدْ أَشْنَقَ الرجلُ أَي وَجَبَ عَلَيْهِ شَنَقٌ فَلَا يَزَالُ مُشْنِقاً إِلَى أَنْ تَبْلُغَ إِبِلُهُ خَمْسًا وَعِشْرِينَ، فَكُلُّ شَيْءٍ يؤدِّيه فِيهَا فَهِيَ أَشْناقٌ: أَربَعٌ مِنَ الْغَنَمِ فِي عِشْرِينَ إِلَى أَربع وَعِشْرِينَ، فَإِذَا بَلَغَتْ خَمْسًا وَعِشْرِينَ فَفِيهَا بنتُ مَخاضٍ مُعَقَّلٍ أَيْ مُؤَدًّى لِلْعِقَالِ، فَإِذَا بَلَغَتْ إبلُه سِتًّا وَثَلَاثِينَ إِلَى خَمْسٍ وأَربعين فَقَدْ أَفْرَضَ أَيْ وَجَبَتْ فِي إِبِلِهِ فَرِيضَةٌ. قَالَ الْفَرَّاءُ: حَكَى الْكِسَائِيُّ عَنْ بَعْضِ الْعَرَبِ: الشَّنَقُ إِلَى خَمْسٍ وَعِشْرِينَ. قَالَ والشَّنَقُ مَا لَمْ تَجِبْ فِيهِ الْفَرِيضَةُ؛ يُرِيدُ مَا بَيْنَ خَمْسٍ إِلَى خَمْسٍ وَعِشْرِينَ. قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْمُكَرَّمِ، عَفَا اللَّهُ عَنْهُ: قَدْ أَطلق أَبو سَعِيدٍ الضريرُ لِسانَه فِي أَبي عُبَيْدٍ ونَدَّدَ بِهِ بِمَا انْتَقَده عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ أَوّلًا إِنَّ قَوْلَهُ الشَّنَقُ مَا بَيْنَ الخَمْسِ إِلَى العَشْرِ مُحالٌ إِنَّمَا هُوَ إِلَى تِسْعٍ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ مَا بَيْنَ العَشْرِ إِلَى خَمْسَ عَشْرةَ كَانَ حَقُّهُ أَن يَقُولَ إِلَى أَربعَ عَشْرَةَ، ثُمَّ بِقَوْلِهِ ثَانِيًا إِنَّ لِلْعَرَبِ أَلفاظاً لَمْ يَعْرِفْهَا أَبُو عُبَيْدٍ، وَهَذِهِ مشاحَّةٌ فِي اللَّفْظِ واستخفافٌ بِالْعُلَمَاءِ، وأَبو عُبَيْدٍ، رَحِمَهُ اللَّهُ، لَمْ يَخْفَ عَنْهُ ذَلِكَ وَإِنَّمَا قَصَدَ مَا بَيْنَ الْفَرِيضَتَيْنِ فَاحْتَاجَ إِلَى تَسْمِيَتِهِمَا، وَلَا يَصِحُّ لَهُ قَوْلُ الْفَرِيضَتَيْنِ إِلَّا إِذَا سَمَّاهُمَا فَيَضْطَرُّ أَنْ يقول عشر أَوْ خَمْسَ عَشْرَةَ، وَهُوَ إِذَا قَالَ تِسْعًا أَوْ أَرْبَعَ عَشْرَةَ فَلَيْسَ هُنَاكَ فَرِيضَتَانِ، وَلَيْسَ هَذَا الِانْتِقَادُ بِشَيْءٍ، أَلَا تَرَى إِلَى مَا حَكَاهُ الْفَرَّاءُ عَنِ الكسائي عن بعض العرب: الشَّنَقُ إِلَى خَمْسٍ وَعِشْرِينَ؟ وَتَفْسِيرُهُ بِأَنَّهُ يُرِيدُ مَا بَيْنَ الْخَمْسِ إِلَى خَمْسٍ وَعِشْرِينَ، وَكَانَ عَلَى زَعْمِ أَبِي سَعِيدٍ يَقُولُ: الشَّنَقُ إِلَى أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ، لأَنها إِذَا بَلَغَتْ خَمْسًا وَعِشْرِينَ فَفِيهَا بِنْتُ مَخَاضٍ، وَلَمْ يَنْتَقِدْ هَذَا الْقَوْلَ عَلَى الْفَرَّاءِ وَلَا عَلَى الْكِسَائِيِّ وَلَا عَلَى الْعَرَبِيِّ الْمَنْقُولِ عَنْهُ، وَمَا ذَاكَ إِلَّا لأَنه قَصَدَ حَدَّ الْفَرِيضَتَيْنِ، وَهَذَا انْحِمال مِنْ أَبِي سَعِيدٍ عَلَى أَبِي عُبَيْدٍ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. والأَشْناقُ: الأُروشُ أَرْش السِنُّ وأَرْشُ المُوضِحة والعينِ الْقَائِمَةِ وَالْيَدِ الشلَّاء، لَا يَزَالُ يُقَالُ لَهُ أَرْشٌ حَتَّى يكونَ تكملَة ديةٍ كَامِلَةٍ؛ قَالَ الْكُمَيْتُ:
كأَنّ الدِّياتِ، إِذَا عُلِّقَتْ ... مِئُوها به، والشَّنَقُ الأَسْفَلُ
وَهُوَ مَا كَانَ دُونَ الدِّية مِنَ المَعاقِل الصِّغارِ. قَالَ الأَصمعي: الشَّنَقُ مَا دُونُ الدِّيَةِ والفَضْلةُ تَفْضُل، يَقُولُ: فَهَذِهِ الأَشْناقُ عَلَيْهِ مِثْلُ العَلائِق عَلَى الْبَعِيرِ لَا يَكْتَرِثُ بِهَا، وَإِذَا أُمِرَّت الْمَئُونَ فوقَه حَمَلها، وأُمِرَّت: شُدَّت فَوْقَهُ بمرارٍ، والمِرارُ الحَبْلُ. وَقَالَ غَيْرُهُ فِي تَفْسِيرِ بَيْتِ الْكُمَيْتِ: الشَّنَقُ شَنَقانِ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute