للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

سَارَ، وأَرْحَلْتُهُ أَنا. وَرَجُلٌ رَحُول وَقَوْمٌ رُحَّل أَي يَرْتَحِلُونَ كَثِيرًا. ورَجُل رَحَّال: عَالِمٌ بِذَلِكَ مُجِيدٌ لَهُ. وإِبل مُرَحَّلَة: عَلَيْهَا رِحالُها، وَهِيَ أَيضاً الَّتِي وُضِعت عَنْهَا رِحَالُها، قَالَ:

سِوَى تَرْحِيلِ راحلةٍ وعَينٍ، ... أُكالئُها مَخافَة أَن تَنامَا

والرَّحُول والرَّحُولة مِنَ الإِبل: الَّتِي تَصلح أَن تُرْحَل، وَهِيَ الرَّاحِلَةُ تَكُونُ لِلذَّكَرِ والأُنثى، فاعِلة بِمَعْنَى مَفَعُولَةٍ، وَقَدْ يَكُونُ عَلَى النَّسَبِ، وأَرْحَلَها صاحِبُها: رَاضَها حَتَّى صَارَتْ رَاحِلَةً. قَالَ أَبو زَيْدٍ: أَرْحَلَ الرجلُ البعيرَ، وَهُوَ رجُلٌ مُرْحِل، وَذَلِكَ إِذا أَخذ بَعِيرًا صَعْباً فَجَعَلَهُ رَاحِلَةً. وَرُوِيَ

عَنِ النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنه قَالَ: تَجِدُونَ النَّاسَ بَعْدِي كإِبلٍ مائةٍ لَيْسَ فِيهَا رَاحِلة

، الرَّاحِلةُ مِنَ الإِبل: «١» البعيرُ القويُّ عَلَى الأَسفار والأَحمال، وَهِيَ الَّتِي يَخْتَارُهَا الرَّجُلُ لمَرْكَبه ورَحْله عَلَى النَّجابة وَتَمَامِ الخَلْق وَحُسْنِ المَنْظَر، وإِذا كَانَتْ فِي جَمَاعَةِ الإِبل تَبَيَّنَتْ وعُرِفت، يَقُولُ: فَالنَّاسُ مُتَسَاوُونَ لَيْسَ لأَحد مِنْهُمْ عَلَى أَحد فَضْلٌ فِي النَّسَبِ، وَلَكِنَّهُمْ أَشباه كإِبلٍ مائةٍ لَيْسَتْ فِيهَا رَاحِلَةٌ تَتَبَيَّنُ فِيهَا وَتَتَمَيَّزُ مِنْهَا بِالتَّمَامِ وَحُسْنِ المَنْظَر، قَالَ الأَزهري: هَذَا تَفْسِيرُ ابْنِ قُتَيْبَةَ وَقَدْ غَلِطَ فِي شَيْئَيْنِ مِنْهُ: أَحدهما أَنه جَعَلَ الرَّاحِلَة النَّاقَةَ وَلَيْسَ الجَمَل عِنْدَهُ رَاحِلَةً، والرَّاحِلَة عِنْدَ الْعَرَبِ كُلُّ بَعِيرٍ نَجِيبٍ، سواءٌ كَانَ ذَكَرًا أَو أُنثى، وَلَيْسَتِ النَّاقَةُ أَولى بِاسْمِ الرَّاحِلَة مِنَ الْجَمَلِ، تَقُولُ الْعَرَبُ لِلْجَمَلِ إِذا كَانَ نَجِيبًا رَاحِلَة، وَجَمْعُهُ رَوَاحِل، وَدُخُولُ الْهَاءِ فِي الرَّاحِلَة لِلْمُبَالَغَةِ فِي الصِّفَةِ، كَمَا يُقَالُ رَجُلٌ دَاهِيَةٌ وَبَاقِعَةٌ وعلَّامة، وَقِيلَ: إِنما سُمِّيَتْ رَاحِلَة لأَنها تُرْحَل كَمَا قَالَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ: فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ*، أَي مَرْضِيَّة، وخُلِق مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ، أَي مَدْفُوقٍ، وَقِيلَ: سُمِّيَتْ رَاحِلَة لأَنها ذَاتُ رَحْل، وَكَذَلِكَ عِيشَةٌ رَاضِيَةٌ ذَاتُ رِضًا، وماءٌ دَافِقٌ ذُو دَفْق، وأَما قَوْلُهُ: إِن النَّبِيَّ، صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَراد أَن النَّاسَ مُتَسَاوُونَ فِي النَّسَبِ لَيْسَ لأَحد مِنْهُمْ فَضْلٌ عَلَى الْآخَرِ وَلَكِنَّهُمْ أَشباه كإِبل مِائَةٍ لَيْسَ فِيهَا رَاحِلَة، فَلَيْسَ الْمَعْنَى مَا ذَهَبَ إِليه، قَالَ: وَالَّذِي عِنْدِي فِيهِ أَن اللَّه تَعَالَى ذَمَّ الدُّنْيَا ورُكونَ الْخَلْقِ إِليها وحَذَّر عِبَادَهُ سُوء مَغَبَّتِها وزَهَّدهم فِي اقْتِنَائِهَا وزُخْرُفها، وضرَب لَهُمْ فِيهَا الأَمثال ليَعُوها وَيَعْتَبِرُوا بِهَا فَقَالَ: اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفاخُرٌ (الْآيَةَ). وَكَانَ النَّبِيُّ، صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يُحَذِّر أَصحابه بِمَا حَذَّرهم اللَّهُ تَعَالَى مِنْ ذَمِيمِ عَوَاقِبِهَا وَيَنْهَاهُمْ عَنِ التَّبَقُّر فِيهَا، ويُزَهِّدهم فِيمَا زَهَّدهم اللَّهُ فِيهِ مِنْهَا، فرَغِبَ أَكثرُ أَصحابه بعدَه فِيهَا «٢» وتَشَاحُّوا عَلَيْهَا وَتَنَافَسُوا فِي اقْتِنَائِهَا حَتَّى كَانَ الزُّهْدُ فِي النَّادِرِ الْقَلِيلِ مِنْهُمْ فَقَالَ

النَّبِيُّ، صَلَّى اللَّه عليه وَسَلَّمَ: تَجِدُونَ النَّاسَ بَعْدِي كإِبلٍ مائةٍ لَيْسَ فِيهَا رَاحِلَة

، وَلَمْ يُرِد بِهَذَا تَسَاوِيهِمْ فِي الشَّرِّ وَلَكِنَّهُ أَراد أَن الْكَامِلَ فِي الْخَيْرِ وَالزُّهْدِ فِي الدُّنْيَا مَعَ رَغْبَتِهِ فِي الْآخِرَةِ وَالْعَمَلِ لَهَا قَلِيلٌ، كَمَا أَن الرَّاحِلَة النَّجِيبَةَ نَادِرَةٌ فِي الإِبل الْكَثِيرَةِ. قَالَ: وَسَمِعْتُ غَيْرَ وَاحِدٍ مِنْ مَشَايِخِنَا يَقُولُ: إِن زُهَّاد أَصحاب سَيِّدِنَا رَسُولُ اللَّه، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لَمْ يَتتامُّوا عَشَرَةً مَعَ وُفور عَدَدهم وَكَثْرَةِ خَيْرِهِمْ وسَبْقِهم الأُمة إِلى مَا يَسْتَوْجِبُونَ بِهِ كَرِيمَ الْمَآبِ بِرَحْمَةِ اللَّه إِياهم وَرِضْوَانِهِ


(١). قوله [الرَّاحِلَة من الإبل إلخ] عبارة التهذيب: قال ابن قتيبة: الرَّاحِلَة هي الناقة التي يختارها الرجل إلخ.
(٢). قوله [فَرَغِبَ أَكْثَرُ أَصْحَابِهِ بَعْدَهُ فيها إلخ] بهامش الأَصل هنا ما نصه: في هذه العبارة من إساءة الأَدب في حقهم، رضي اللَّه عنهم، ما لا يخفى على المتأمل المنصف.

<<  <  ج: ص:  >  >>